مامون احمد مصطفى
30-09-2007, 08:07 AM
عدوى الانحطاط
لست ممن يتابع الرائي ، فبيني وبينه مسافات طويلة ، يرسمها واقع الأمة ، وواقع الألم والوجع والهوان ، وأكثر ما يقصيني عنه ، مدى الانحطاط والتردي الذي يجلل شاشاته ، فالمثقف العربي يكاد أو وصل ، إلى مرحله من التشرذم والتشظي والانكسار إلى حد اللاعودة ، وهو يدافع عن كل ذلك بجرأة المنساق نحو بؤرة يبدو انه يؤمن بما فيها من بقع لامعة ، الأمر الذي يدعو إلى التقزز ، بل ويصل إلى الغثيان فالتقيؤ .
ولو وقف الأمر عند هذا الحد ، لقلنا بان بالأمة خير مخبوء ، ينتظر الانطلاق في لحظة سهو للكون ، أو لحظة غفلة للوجود .
لكن أن يتحول المثقف العربي ، إلى سلعة رخيصة ، رخيصة ، تتأثر بعالم الفن الهابط القابع بعمق الانحطاط والرذيلة ، فهذا ما لم يتوقعه " الجاحظ " أو " ابن خلدون " أو حتى " ابن الجوزي بصيد الخاطر " .
نحن لا نكتب عن الفن وعالمه إيمانا منا ويقينا ، بأنه لا يستحق أن تكتب فيه كلمه ، ولم نكتب عن الفنانين إيمانا منا ويقينا ، بأنهم لا يستحقون اللحظة التي نجلس فيها أمام الصفحات لنعطيهم من وقتنا ولو قليل القليل .
فهم اقل قدرا وشانا من أن تصلهم الأقلام ، لأنهم اقل قدرا وقيمة من تمثيل الأمة وحضارتها وتاريخها في شان ما ، ولأنهم وهذا الأهم ، يمارسون عهرهم وانحطاطهم ورذيلتهم على الشاشات دون حياء أو خجل .
لكنه العصر ، الذي يرفع العاهر ويجعله في الصف الأول ، ويمنحه حق التحدث بلسان الأمة ، وحق التحدث باسم التاريخ والحضارة ، لضرورة الحكم والحاكم ، ومن اجل هذا فتحت لهم مجاري الإعلام ، وضخت بجيوبهم ، الملايين التي افتقدها الفقراء الذين ينامون بالمقابر وسط القاهرة ، الأموال التي كانت قادرة على إنهاء ظاهرة أولاد الشوارع في مصر .
واليوم أجدني مضطرا للكتابة عن عالم الفن ، لا لشيء ، سوى المقارنة بين العدوى التي وصلت منه الى المثقف العربي المشظى والمشرذم .
اذكر الشاعر فاروق جويده ، بإحدى لقاءاته مع التلفزيون السوداني ، كيف تحدث بحسرة شديدة ، وغيظ مخزن ، عن الملايين التي تنفق حول برنامج " ستار أكاديمي " إن لم تخني الذاكرة ، وكيف يموت الأطفال جوعا في السودان وغيرها ، تحدث بلغة المثقف الواعي ، المملوء بالأسف على قانون العصر ومستجداته .
لكنه لم يكن يعرف أبدا ، بان المثقف العربي على موعد مع العدوى ، على موعد مع الانهيار ، وربما لو عرف ، لتحدث بأسى ومرارة اشد .
لن ادخل بتفاصيل الفن العربي ، مع ما يمثل الآن تحديدا من مخاطر على العقل العربي المعاصر ، ولن ادخل في حياة الفنان الشخصية ، حتى لا تحذف مقالتي ، ولكني أود أن احذر من انصياع المثقف العربي خلف ترهات الفن ومن يقف خلفه ، لتفريغ العقل العربي من رصانة الشعور وطهارة الإحساس .
فالأشياء تبدأ بما نقبل به ، وما ندخله جهلا ، أو غفلا بدائرة المنطق والمقبول ، وليس أدل على ذلك ، من تخلي البدو عن عاداتهم التي جاء الإسلام ليباركها ، إلى الحد الذي أصبح مباحا للبدوية الحرة التعري على شاشات الرائي .
الفن اخرج برامج " ستار أكاديمي " زي النجوم " " العندليب " وربما هناك برامج تشبه ذلك ، وأنا لا اعرفها ، وهي برامج استنزفت الملايين من الأمة الإسلامية ، دون ان تكون هناك رسالة ذات هدف أو معنى ، بل وجل الهدف والمعنى ، توطيد الانهيار الأخلاقي ، وتدعيم الانحلال لدى الجماهير العربية ، وهم لهم في ذلك مآرب كثيرة ، محلية ودولية ، ذاتية وعامة ، ولست هنا للخوض فيها ، لان ما اسمعه من متابعيها ، يبين مدى احتقارهم لها ، ويبين ايضا حجم التشرذم في شخصيتهم بين الرفض لما بها من تحلل وانحطاط ، وبين متابعتهم لها بشوق ونهم .
لكن أن تنتقل العدوى إلى المثقف العربي ، فنرى " شاعر المليون " وشاعر الجزيرة " و " شاعر العرب " فهذه الطامة التي لا تعقبها طامة ، وهذا السقوط الذي لا يمكن أن ينشأ بعده سقوط .
من أين نبتت الفكرة ؟ وكيف ؟ ومنذ متى عرف الأدب العربي ، والأدب العالمي ، مسابقة يحكمها مجموعة من الأفراد ، ويحكمها جمهور بينه وبين الثقافة مسافات لا تؤطر بزمان أو مكان ؟
مجموعة من الأفراد ، انتقيت ، وربما تكون قادرة على استعذاب الشعر ، ومتمكنة من الحكم على فنونه ، لترشح شاعرا ما بأنه شاعر العرب أو شاعر المليون ، تماما بنفس الطريقة التي ترشح المجموعة الفنان القادم ، وربما كان جمهور مرشح الفنان متواجدا بترشيح الشاعر ، وهناك بعض المواقع التي شحذت همتها ، وأبرقت رماحها وسيوفها في دعوة منتسبيها إلى ترشيح فلان أو فلان .
أليس هذا عيبا يمس الموقع ويمس الشاعر ؟ أليس هذا تقليدا للتصويت الذي دعا إليه مصممي البرامج الفنية ؟
ماذا دهانا ؟ ماذا دهى مثقفينا وشعراءنا ؟ ماذا دهى عقولنا ونضجنا ووعينا ؟ ماذا دهى قيمة الأدب والثقافة والشعر ، وماذا دهى من يمثلون المواقع الفكرية والأدبية والثقافية لينزلقوا هذا المنزلق .
هل علينا أن نعرف الثقافة ؟ أم علينا أن نعرف الشعر والأدب ، ربما نحن بحاجة إلى ذلك ، لان ما يجري على صفحات الحاضر يدل بصورة قاطعة على أن المثقف العربي قد نسي معنى الإبداع ، معنى التوليد والابتكار والخلق ، معنى أن تكون القصيدة ساقطة من الذات كشلال يتوزع على المجاري والمصبات ، معنى أن تكون القصيدة ذات الشاعر الملتهبة بالعناء والمضرجة بالضنى والضنك ، معنى أن تكون شفافة إلى حد يمكننا من خلالها رؤية نفس الشاعر ودخيلته .
معنى أن تكون القصيدة صديقا ملازما للسان وأفئدتهم ، دون انتظار إمارة شعر في العرب ، أو إمارة شعر في الجزيرة ، ولياتي بعدها النقاد ، اؤلئك العارفين بفنون الأدب والقول ، ليقولوا ما يقولوا ، فلينصبوا بعدها من شاءوا شاعر العرب أو شاعر الأمة أو شاعر العصر ، النقاد المحترفين في التبصر والتفكر والتحليل والتنقيب ، أما أن يكون الجوال الوقع بين أيدي الملايين الذي لا تعرف معنى الشعر ومعنى القصيدة هي الحكم في تنصيب الشاعر ، وان تكون مجموعة مكونة من خمسة أفراد ، هي القاضية بأمر الشاعر وشاعريته ، فهذا موطن الجهل وذاك موطن القهر والاستبداد .
على المثقف أن يدرك ، وبطريقة سليمة ، حجمه ورسالته ، هدفه ومأربه ، عليه أن يدرك بأنه وبطريقة ما ، هاجس الأمة ، رعشتها المباركة ، خلجاتها المخفية تحت العفوية والبساطة ، وبأنه ليس ملك ذاته ، لا في سره ولا في علنه ، وان خطواته محسوبة ، تؤثر بنهج العقل والفكر ، وان الناس تلتمس منه أن يكون مختلفا عنهم بأشياء يملكها ولا يملكوها ، وانه بصورة ما ، يمثل رسالة ما ، ترصدها الشعوب ويرصدها التاريخ .
كل هذا يجب أن يكون حاضرا وبشكل دائم في ذهن المثقف ، والشاعر يعتبر أكثر شفافية وأعمق إحساسا بمشاعر الناس ، فهم يلهجون بمأثور الشعر في كل وقت وآن ، ولكنهم لا يلهجون بمأثور الفيلسوف أو القاص أو الراوي أو المفكر .
ما هو الفرق الفاصل بين من يذهب إلى برامج الفن ، وبين المثقف الذي يعرض نفسه للبيع ؟ ما هو الفرق بين من يذهب ليرشحه الناس بالمطرب الأفضل عبر الجولات ، وبين الشاعر الذي ينتظر أن يرشح عبر الجوالات أيضا بأنه أفضل الشعراء ؟
هل فعلها طرفة بن العبد ؟ أم عمرو بن كلثوم ، أم لقيط بن يعمر ، هل فعلها البارودي وحافظ إبراهيم والشابي ويليا أبي ماضي والياس فرحات ؟
هل فعلها حتى المتشاعرين في عصر النهضة الأدبية في الوطن العربي ؟
ألهذا الحد وصل الهوان بالمثقف العربي ؟ ألهذا الحد وصل بنا اللهث خلف الألقاب والمسميات القادمة من برامج تغرق في الجهل والانحطاط ؟
واحسرتاه عليك يا خنساء ، واحسرتاه عليك عقاد ، واحسرتاه عليك يا رافعي ، واحسرتاه عليكم وعلى من مثلكم ، حين قضيتم وانتم تحاولون أن تصنعوا للأجيال التي ستلحق بكم أسسا من فكر وثقافة ، أسسا موطدة بالشخصية التي تعطي وتعطي وتعطي وهي مدركة بأنها لا زالت لم تصل إلى حد العطاء ، والى حد الثقافة .
أن يسقط الفن ، وهو ساقط منذ نشأته في بلادنا ، فلا ضير بذلك ، أما أن يسقط المثقف بنفس طريقة أهل الفن ، فإلى من ستركن الأجيال القادمة لتكمل مسيرتها في البناء ، أم على الأجيال القادمة أن تكمل شوطها بالسقوط أسوة بسقوط مثقفينا اللاهثين خلف سراب الانحطاط القادم من انحطاط الفن وأهله ؟!
مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم
النرويج – 20 – 9 -2007
لست ممن يتابع الرائي ، فبيني وبينه مسافات طويلة ، يرسمها واقع الأمة ، وواقع الألم والوجع والهوان ، وأكثر ما يقصيني عنه ، مدى الانحطاط والتردي الذي يجلل شاشاته ، فالمثقف العربي يكاد أو وصل ، إلى مرحله من التشرذم والتشظي والانكسار إلى حد اللاعودة ، وهو يدافع عن كل ذلك بجرأة المنساق نحو بؤرة يبدو انه يؤمن بما فيها من بقع لامعة ، الأمر الذي يدعو إلى التقزز ، بل ويصل إلى الغثيان فالتقيؤ .
ولو وقف الأمر عند هذا الحد ، لقلنا بان بالأمة خير مخبوء ، ينتظر الانطلاق في لحظة سهو للكون ، أو لحظة غفلة للوجود .
لكن أن يتحول المثقف العربي ، إلى سلعة رخيصة ، رخيصة ، تتأثر بعالم الفن الهابط القابع بعمق الانحطاط والرذيلة ، فهذا ما لم يتوقعه " الجاحظ " أو " ابن خلدون " أو حتى " ابن الجوزي بصيد الخاطر " .
نحن لا نكتب عن الفن وعالمه إيمانا منا ويقينا ، بأنه لا يستحق أن تكتب فيه كلمه ، ولم نكتب عن الفنانين إيمانا منا ويقينا ، بأنهم لا يستحقون اللحظة التي نجلس فيها أمام الصفحات لنعطيهم من وقتنا ولو قليل القليل .
فهم اقل قدرا وشانا من أن تصلهم الأقلام ، لأنهم اقل قدرا وقيمة من تمثيل الأمة وحضارتها وتاريخها في شان ما ، ولأنهم وهذا الأهم ، يمارسون عهرهم وانحطاطهم ورذيلتهم على الشاشات دون حياء أو خجل .
لكنه العصر ، الذي يرفع العاهر ويجعله في الصف الأول ، ويمنحه حق التحدث بلسان الأمة ، وحق التحدث باسم التاريخ والحضارة ، لضرورة الحكم والحاكم ، ومن اجل هذا فتحت لهم مجاري الإعلام ، وضخت بجيوبهم ، الملايين التي افتقدها الفقراء الذين ينامون بالمقابر وسط القاهرة ، الأموال التي كانت قادرة على إنهاء ظاهرة أولاد الشوارع في مصر .
واليوم أجدني مضطرا للكتابة عن عالم الفن ، لا لشيء ، سوى المقارنة بين العدوى التي وصلت منه الى المثقف العربي المشظى والمشرذم .
اذكر الشاعر فاروق جويده ، بإحدى لقاءاته مع التلفزيون السوداني ، كيف تحدث بحسرة شديدة ، وغيظ مخزن ، عن الملايين التي تنفق حول برنامج " ستار أكاديمي " إن لم تخني الذاكرة ، وكيف يموت الأطفال جوعا في السودان وغيرها ، تحدث بلغة المثقف الواعي ، المملوء بالأسف على قانون العصر ومستجداته .
لكنه لم يكن يعرف أبدا ، بان المثقف العربي على موعد مع العدوى ، على موعد مع الانهيار ، وربما لو عرف ، لتحدث بأسى ومرارة اشد .
لن ادخل بتفاصيل الفن العربي ، مع ما يمثل الآن تحديدا من مخاطر على العقل العربي المعاصر ، ولن ادخل في حياة الفنان الشخصية ، حتى لا تحذف مقالتي ، ولكني أود أن احذر من انصياع المثقف العربي خلف ترهات الفن ومن يقف خلفه ، لتفريغ العقل العربي من رصانة الشعور وطهارة الإحساس .
فالأشياء تبدأ بما نقبل به ، وما ندخله جهلا ، أو غفلا بدائرة المنطق والمقبول ، وليس أدل على ذلك ، من تخلي البدو عن عاداتهم التي جاء الإسلام ليباركها ، إلى الحد الذي أصبح مباحا للبدوية الحرة التعري على شاشات الرائي .
الفن اخرج برامج " ستار أكاديمي " زي النجوم " " العندليب " وربما هناك برامج تشبه ذلك ، وأنا لا اعرفها ، وهي برامج استنزفت الملايين من الأمة الإسلامية ، دون ان تكون هناك رسالة ذات هدف أو معنى ، بل وجل الهدف والمعنى ، توطيد الانهيار الأخلاقي ، وتدعيم الانحلال لدى الجماهير العربية ، وهم لهم في ذلك مآرب كثيرة ، محلية ودولية ، ذاتية وعامة ، ولست هنا للخوض فيها ، لان ما اسمعه من متابعيها ، يبين مدى احتقارهم لها ، ويبين ايضا حجم التشرذم في شخصيتهم بين الرفض لما بها من تحلل وانحطاط ، وبين متابعتهم لها بشوق ونهم .
لكن أن تنتقل العدوى إلى المثقف العربي ، فنرى " شاعر المليون " وشاعر الجزيرة " و " شاعر العرب " فهذه الطامة التي لا تعقبها طامة ، وهذا السقوط الذي لا يمكن أن ينشأ بعده سقوط .
من أين نبتت الفكرة ؟ وكيف ؟ ومنذ متى عرف الأدب العربي ، والأدب العالمي ، مسابقة يحكمها مجموعة من الأفراد ، ويحكمها جمهور بينه وبين الثقافة مسافات لا تؤطر بزمان أو مكان ؟
مجموعة من الأفراد ، انتقيت ، وربما تكون قادرة على استعذاب الشعر ، ومتمكنة من الحكم على فنونه ، لترشح شاعرا ما بأنه شاعر العرب أو شاعر المليون ، تماما بنفس الطريقة التي ترشح المجموعة الفنان القادم ، وربما كان جمهور مرشح الفنان متواجدا بترشيح الشاعر ، وهناك بعض المواقع التي شحذت همتها ، وأبرقت رماحها وسيوفها في دعوة منتسبيها إلى ترشيح فلان أو فلان .
أليس هذا عيبا يمس الموقع ويمس الشاعر ؟ أليس هذا تقليدا للتصويت الذي دعا إليه مصممي البرامج الفنية ؟
ماذا دهانا ؟ ماذا دهى مثقفينا وشعراءنا ؟ ماذا دهى عقولنا ونضجنا ووعينا ؟ ماذا دهى قيمة الأدب والثقافة والشعر ، وماذا دهى من يمثلون المواقع الفكرية والأدبية والثقافية لينزلقوا هذا المنزلق .
هل علينا أن نعرف الثقافة ؟ أم علينا أن نعرف الشعر والأدب ، ربما نحن بحاجة إلى ذلك ، لان ما يجري على صفحات الحاضر يدل بصورة قاطعة على أن المثقف العربي قد نسي معنى الإبداع ، معنى التوليد والابتكار والخلق ، معنى أن تكون القصيدة ساقطة من الذات كشلال يتوزع على المجاري والمصبات ، معنى أن تكون القصيدة ذات الشاعر الملتهبة بالعناء والمضرجة بالضنى والضنك ، معنى أن تكون شفافة إلى حد يمكننا من خلالها رؤية نفس الشاعر ودخيلته .
معنى أن تكون القصيدة صديقا ملازما للسان وأفئدتهم ، دون انتظار إمارة شعر في العرب ، أو إمارة شعر في الجزيرة ، ولياتي بعدها النقاد ، اؤلئك العارفين بفنون الأدب والقول ، ليقولوا ما يقولوا ، فلينصبوا بعدها من شاءوا شاعر العرب أو شاعر الأمة أو شاعر العصر ، النقاد المحترفين في التبصر والتفكر والتحليل والتنقيب ، أما أن يكون الجوال الوقع بين أيدي الملايين الذي لا تعرف معنى الشعر ومعنى القصيدة هي الحكم في تنصيب الشاعر ، وان تكون مجموعة مكونة من خمسة أفراد ، هي القاضية بأمر الشاعر وشاعريته ، فهذا موطن الجهل وذاك موطن القهر والاستبداد .
على المثقف أن يدرك ، وبطريقة سليمة ، حجمه ورسالته ، هدفه ومأربه ، عليه أن يدرك بأنه وبطريقة ما ، هاجس الأمة ، رعشتها المباركة ، خلجاتها المخفية تحت العفوية والبساطة ، وبأنه ليس ملك ذاته ، لا في سره ولا في علنه ، وان خطواته محسوبة ، تؤثر بنهج العقل والفكر ، وان الناس تلتمس منه أن يكون مختلفا عنهم بأشياء يملكها ولا يملكوها ، وانه بصورة ما ، يمثل رسالة ما ، ترصدها الشعوب ويرصدها التاريخ .
كل هذا يجب أن يكون حاضرا وبشكل دائم في ذهن المثقف ، والشاعر يعتبر أكثر شفافية وأعمق إحساسا بمشاعر الناس ، فهم يلهجون بمأثور الشعر في كل وقت وآن ، ولكنهم لا يلهجون بمأثور الفيلسوف أو القاص أو الراوي أو المفكر .
ما هو الفرق الفاصل بين من يذهب إلى برامج الفن ، وبين المثقف الذي يعرض نفسه للبيع ؟ ما هو الفرق بين من يذهب ليرشحه الناس بالمطرب الأفضل عبر الجولات ، وبين الشاعر الذي ينتظر أن يرشح عبر الجوالات أيضا بأنه أفضل الشعراء ؟
هل فعلها طرفة بن العبد ؟ أم عمرو بن كلثوم ، أم لقيط بن يعمر ، هل فعلها البارودي وحافظ إبراهيم والشابي ويليا أبي ماضي والياس فرحات ؟
هل فعلها حتى المتشاعرين في عصر النهضة الأدبية في الوطن العربي ؟
ألهذا الحد وصل الهوان بالمثقف العربي ؟ ألهذا الحد وصل بنا اللهث خلف الألقاب والمسميات القادمة من برامج تغرق في الجهل والانحطاط ؟
واحسرتاه عليك يا خنساء ، واحسرتاه عليك عقاد ، واحسرتاه عليك يا رافعي ، واحسرتاه عليكم وعلى من مثلكم ، حين قضيتم وانتم تحاولون أن تصنعوا للأجيال التي ستلحق بكم أسسا من فكر وثقافة ، أسسا موطدة بالشخصية التي تعطي وتعطي وتعطي وهي مدركة بأنها لا زالت لم تصل إلى حد العطاء ، والى حد الثقافة .
أن يسقط الفن ، وهو ساقط منذ نشأته في بلادنا ، فلا ضير بذلك ، أما أن يسقط المثقف بنفس طريقة أهل الفن ، فإلى من ستركن الأجيال القادمة لتكمل مسيرتها في البناء ، أم على الأجيال القادمة أن تكمل شوطها بالسقوط أسوة بسقوط مثقفينا اللاهثين خلف سراب الانحطاط القادم من انحطاط الفن وأهله ؟!
مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم
النرويج – 20 – 9 -2007