المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطيبة أمـِّـي


الصفحات : [1] 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34

إبتهال الجنوب
06-11-2008, 06:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


ذهب إلي مخدعه بعد نهار عمل كاد ينسيه هويته .. معانقا أحزانه .. فالحزن تاريخ الروح عاشته وعلى جدار القلب مخطوط فمن قال بالإمكان ننساه .. ؟!!
ها أنا وحدي .. وسكون غرفتي وهدأة المساء ..
هاتي يا ذاكرتي وقلّبي الصفحات ..
فمن يوم أن هبطت هذا البلد والأوجاع تحاصرني .. تجلدني تزلزلني .. تقهرني .. تلهبني .. تهصر قلبي توجعني في غير رحمة تنثرني هباء للريح تذريني ..
أما كان لي .. أن أرقَّ لاستعطافات أمِّي للبقاء وضعفها الحاني الذي يُقطع نياط قلبي حين أذكره ؟!!
أما كان لي أن أرقأ جُرحي وأكتمُ أنفاس آهاتي وأبقى في موضعي ومكاني على أرضي في بلادي ؟!!
أحببت رضوى وكانت غادة القلب و وهج الروح وبلسم يداويني ومن علاّتي يشفيني ومع هذا كانت كل فتاة حتى في طريقي أصادفها .. كأن بها سحر يجذبني وعلى أعتابها يُلقيني ..
وكم عانت رضوى من جراء سيرتي و أفعالي .. وبات حالها وحالي هو كل شاغلها .. وكأنه داء عضال تدعو الله حين تصبح وحين تمسي أن يبرأها من عشقي ومن دائي يشفيني .. وقد تقبل الله العلي الدعاء من قلب تقي طهور هو عالمه ..
فشفاني سبحانه من دائي واعتدلّ حالي وما عادت حتى مليكة الجان تغويني وعن حب رضوى ُتثنيني ..
وبرأتْ هي من حب كاد يقتلها وصارت بإذن الله في خير عافية من بعد أعياء وضيق وتنكيد , وصارت لا شيئ يصدرُ عني يعنيها ولا رؤيتي يرتجفُ لها القلب فيُميتها تارة وأخرى يُحييها .. ما عادتْ .. ما عادتْ رضوى ..
وفي يوم من الأيام لست أنساه وكان بيتها يجاورنا تعالتْ من بيتها الزغاريد فأصمّ صوتها أذني وضاق الصدر فقد كانت روحي ببيتها هاجعة .. ترجو الوصل وليتها ما عادت لتخبرني ...
وسرّت بجسدي رعدة وكأنه الجليد يحاصرني و حمي شمس الصيف تقليني .. رباه .. وكمْ مرَّ من الأيام لا أدري .. !! و لكن صوت أمِّي من حولي وصديقي يواسيها مخففا عنها ووقت أن كان الطبيب يعاودني استشعر الوجود للحظات وأعود إلى سكرة من رحمة الله ُتغيبني و ُتنسيني ..
وتوالت الأيام وما كان أثقلها وصديقي ما كان يبرح بيتي وأمِّي في حيرة والخوف عليَّ يُفزعها والكتمان يُضنيها ويُضنيني
وفي صبيحة يوم من أيام أحزاني أفقت وإنْ كان نومي يجافيني إفاقة انتفض لها عقلي وأفصح عن فكر من قبل لم يراودني .. لماذا لا أهجر الوطن وأرحل عن أمكنة وديار بقائي بها يذكرني بمأساتي و ُيشقيني ؟!
وسرعان ما أمسكتُ بهاتفي النقال واتصلتُ بصديق لي بالكويت , مستنجدا ..
طالبا الغوث َ والبعد َ والسفر َ ولكن في عزة نفس أحاول أخفي آهات أوجاعي متعللا بضيق في العيش لا أعانيه .. فطمأن قلبي وكان صادق َ الوعد ِ وعلى رأس الشهر التالي وافاني وهاتفني فشقّت ْ الفرحة ُ صدري لتقتحم قلبي وأنطلق لساني معلنا أمِّي .. أمِّاه سأغادر الوطن وأغتسل من حرقة معاناتي ..
فقالت والصوت ذكراه يذبحني ..( علـــــيّ ) بُني أتقصد أنك أنت مسافرا عني وتاركني وأنت وحيد ي والنور للعين ِ ؟!!
بُني أتتركني لوحشة الليل تنهشني وشفقة الخلق تجرحني و تؤذيني .. وإن جاء سائل عنك يسألني , كأنه في القلب يطعنني و يرديني ؟!!
وساد صمت ُ أمِّي لأيام وحتى حانت ساعة السفر
ولكن من رحمة الله بي أن شاء وتنفس الصوت ُ منها وقالت ْ والعين مثقلة بأنهر من الدمع .. انثال ليُلهبني : "سلمك َ الله بُني وروحي لن تفارقك سترافقك في الحل والترحال وغربة السفر فلمن بُني هنا سأظل باقية وأنت الروح للجسد "
_ أمّاه ...... وانحبست الكلمات واختنق الحرف ُ بالحلق ِ وغبتُ عن عينها في سرعة البرق ِ وكأن سباع جوعي ُتطاردني .. وما فهمتُ ماذا أمِّي كانت بقولها تعني ( لمن هنا سأظل بُني باقية وأنت الروح للجسد ؟؟!! )
وغادرتْ الغالية الحانية أمِّي دون عودة ُترجى فأقبل تراب قدميها وتغفر بعد الله ذنب يسلبني العمر ومع الأيام سيسحقني .. و تردُني أمِّي لجنان حنان رضاها .. و من بعد موتي بإذن الله تحييني .. ولكن هيهات تعود الغالية أمِّي
وقد صرتُ بلا مكان ولا وطن يُظلني .. و ُيؤويني ..
شريد الروح , وإن الدهر يمنحني مفاتح الجاه ِ و السلطان ِ و الملك ِ
وقد عرفت ُ أن النساء كثيرات .. كثيرات .. متشابهات .. متغايرات ..مخلصات .. خائنات .. صالحات .. طالحات .. قانتات حافظات للغيب ..ساقطات عاهرات .. ولكنها هي كانت واحدة لا غيرها الطيبة أمي .

إبتهال الجنوب