" يغفل الرجل عن بعض الأمور في حياة المرأة .. على بساطتها تعني لها الكثير.. " آسيا .
دموع فوق مفرش الحرير ... / للكاتبه / آسيا رحاحليه
متوردة الوجه , مشرقة الملامح , تعلو شفتيها المكتنزتين بسمة رضا و تبرق عيناها بوميض الفرحة . وجهها في غلاف من المساحيق و حاجباها لعب فيهما الملقاط فأحالهما خطّين رفيعين شديديّ السّواد , و رغم ذلك يمكنك بسهولة أن تقرأ في قسماتها سطور طفولة لا تزال تحلم بالتحليق .
تكاد ' ورده ' تطير من الفرحة . تنتقل من غرفة إلى أخرى و هي تدندن بأغنية و قد استخفّتها السعادة ..كيف لا و قد تزوجت أخيرا ..و انتقلت لتعيش في مملكتها الصغيرة قبل أن تتم عامها السابع عشر .. و هو سن بداية العنوسة في عرف عائلتها .
تنفّس الجميع الصعداء و انزاح كابوس ثقيل عن كاهل أهلها . تم الزواج بسرعة كبيرة كما يحدث في مسلسل تلفزيوني . كانت تسمع جدتها تهمس في أذن أبيها " خير البر عاجله فطول الخيط يضيّع الإبرة ! "..
و لم تكن تلك ' الإبرة ' سوى العريس الكنز الذي ضفرت به ' ورده ' و حسدتها عليه كل بنات العائلة .. صحيح أنه يكبرها بواحد و عشرين سنة و هو رجل جاد..جدا , ربما أكثر مما يجب , و لكنه ملتزم و محترم و ميسور الحال , يملك شقة مستقلة مؤثّثة من كل شيء و سيارة ومحلا كبيرا لبيع قطع الغيار..
توالت أشهر زواجها الأولى هادئة ,عذبة . كان طيبا معها , كريما ..لا يبخل عليها بشيء ..و كانت ' ورده ' سعيدة .. سعيدة حقا ..لم تكترث لفارق السن , فالرجل ' لا يعيبه سوى جيبه ' على رأي جدّتها .. غير أنّ أمرا واحدا كان ينغّص عليها سعادتها.. يحيّرها و لا تجد له تفسيرا .. هذا التجهّم الذي يكسو وجه زوجها.. ما سببه ؟ لمَ ليس بشوشا و مرحا مثلها ؟ لمَ يغدق عليها بالمال و يحرمها من همسة رقيقة أو كلمة حلوة ؟
شحيحٌ في كلامه , مقتصدٌ في عواطفه .. مشاعره جافة , متقلّصة , باردة برودة قطع الحديد التي يتاجر فيها . و لكن لا يهم ..كل الرجال هكذا ..عابسون مقطّبون ..والدها عابس و عمّها و أخوها الأكبر و جارهم و أستاذها أيام المدرسة....لا يهم ..سوف تصبر عليه و مع الوقت ستتمكّن من تغييره , لن تستسلم أبدا و ستنتهز كل الفرص .
و جاءت الفرصة..
اقترب عيد ميلاده ..خطّطت ' ورده ' لحفل جميل.. لهما معا.. ستجعله يوما مميّزا..سوف تقشّر العبوس عن وجهه و تغرقه معها في بحر ضحكها و جنونها وطيش صباها ..و الأروع أنها ستعيش معه المشهد الذي دغدغ أحلامها و ملك عليها كل مشاعرها .. مشهد لم تنسه أبدا , يسكن خيالها و تحلم بأن تكون بطلته على أرض الواقع , مع زوجها حبيبها ..
هي قصة حب رائعة من مسلسل مدبلج مشهور كانت تتابعه باهتمام و شغف كبيرين.. بطلة الفيلم جميلة فاتنة كعروس بحر , و حبيبها شاب وسيم أنيق , ابتسامته ساحرة و أسنانه بيضاء كاللؤلؤ ..و في يوم عيد ميلاده عاد للبيت و ما كادت تفتح له حبيبته الباب حتى أخذها بين ذراعيه , احتضن بمنتهى الرقة جسدها الفاتن المتناسق , قبل جيدها بينما يده تمشّط خصلات شعرها الذّهبيّ المسترسل خلف ظهرها , ثم مدّ يده يتحسّس صفحة خدّها المتورّدة الناعمة قبل أن يطوّق بذراعه خصرها النحيل و يتجه بها نحو الغرفة الرئيسة . و يكتشف المفاجأة .. الطاولة الزجاجية الأنيقة تتوسّطها باقة ورد أحمر جميل , تحيطها شموع ملوّنة و كؤوس لامعة ..ضوء خافت و موسيقى ناعمة و عطر عبق به المكان ..عالم آخر و أمسية ليست كالأمسيات ..
و جاء اليوم الموعود . كان يوما مشرقا , يعد بكل ألوان الفرح .
ودّعت 'ورده ' زوجها عند الباب ..انهمكت في شغل البيت ..و الفكرة مسيطرة على كل كيانها . " سأفاجئ زوجي ..حبيبي .. بحكم شغله لن يعود قبل السابعة مساء . آمل فقط أن لا يتصل ليدعوني للعشاء خارجا "..
بعد الظهر خرجت ..اشترت هدية . ساعة يد جميلة في علبة فاخرة , دفعت فيها ما ادخرته منذ شهور... مرّت بصالون الحلاقة..زينت شعرها الكستنائي الجميل... ثم ابتاعت باقة من الزّهور و عادت إلى البيت..
قضت ساعات في المطبخ تعد " التورتة" و العصير ..أخرجت طقم الكريستال الذي أحضرته في جهاز عرسها... زيّنت الطاولة بالشّموع و الزّهور...حتى الموسيقى أعدت لها ركنا في الغرفة .."آه.. ستكون أمسية للحب , للرومانسية , للأحلام ..وربما يرقص معي ..من يدري .. و ألقي بذراعي على كتفه فينحني بشفتيه على خدي و يهمس في أذني ' أحبك ' ..
تبتسم ابتسامة رقيقة حالمة بمجرّد تخيّل ذلك .. تغمرها نشوة لذيذة و يحملها الخيال على أجنحة الحلم إلى عالم ورديّ ساحر.
فتحت خزانة ملابسها .. " ترى أي فستان سأختار ؟ آه ..ما أجمل فستاني الأحمر هذا ! " .. سرعان ما عبست و قد تذكرت أنه لا يحب اللون الأحمر و هذا الفستان بالذات نهرها حين ارتدته في حفل خطوبة أخته .
اختارت فستان سهرة طويل أنيق , يبرز مفاتنها و يكشف جمال كتفيها , زينت جيدها العاجي بعقد ذهبي . نظرت في المرآة و ابتسمت .
السابعة و النصف . وقع خطواته على السلم .
أطفأت الأضواء ووقفت تنتظر.
فتح الباب ودلف إلى الشقة :
- ما هذا الظلام ؟ تبًا له من بلد هل انقطعت الكهرباء ثانية ؟.
نبضات قلبها تتسارع... امتدت يدها إلى الزر . غمر النور المكان .
- لا . لكن اليوم ..اليوم عيدُ ميلادك . هل نسيت ؟
جال ببصره في الغرفة . نضحت ملامحه بالسخرية و عدم الاكتراث :
ـ ما هذه السخافة..أنا لا احتفل أبدا بعيد ميلادي. .
استدار باتّجاه المطبخ :
- تعالي ضعي الطعام.. أنا متعب جدا ..أريد أن أتعشى و أنام.
عصفت الدهشة برأس 'ورده ' . أحست بدماء حارّة تلهب وجنتيها . غصّت بريقها .
كانت أشياء جميلة تتكسّر في داخلها .
لم تبك ... جاهدت لتحبس دموعا تسابقت لتملأ مآقيها , و لكنها عندما انحنت لتطفئ الشموع , سقطت دمعتان ساخنتان فوق مفرش الطاولة الحريري .