الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن هبيره
الوزير الذي نحنُ في صدد الحديث عنة .. هو (عون الدين أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني) .. حيث نشأ يحيى بن هبيرة في قرية (الـــدور) وكانت عائلة فقيرة ’ تعمل بفلاحة الأرض وزراعتها ’ الأمر الذي لم يجد إهتماماً من (يحيى) ’ وإنما فقد أنصّب إهتمامة على القراءة وملاحقة الشيوخ والعلماء في كل مكان للنهل من علومهم .
لذلك عندما أصبح شاباً ذهب إلى بغداد ’ فقرأ القرآن الكريم وسمع الحديث الشريف ودرس الفقه والأدب والبلاغة على شيوخ بغداد وعلمائها وأدبائها في ذلك العصر حتى برع فيها جميعها ’ وبخاصة في الفقه على المذهب الحنبلي ’ ناهيكم عن تميزّة في الأدب والشعر بصورة ملحوظة . ولكن .. الوظيفة مطلوبة لدى الجميع ’ وعلى هذا الأساس ’ قام يبحث عن وظيفة يعيش منها في بغداد ’ ولأجل ذلك أخذ يراجع ديوان الوظائف التابع للخليفة العباسي (المقتفي لأمر الله) ’ ولكن ما أن يُراجعهم حتى يقولوا لةُ (لا توجد وظيفة الآن) ’ حتى نفذت دراهمه وأصابة اليأس جراّء ذلك .. الأمر الذي جعلة يعزّم على العودة إلى قريتة (الدور) ..!! خرج من بغداد بعد أن أنفق آخر درهم كان يملكة ’ واتجه في الطريق إلى قرية (الدور) سيراً على قدميه ’ لأنه لم يكن معه أجرة دابة يركبها ’ وبعد أن سار في الطريق قليلاً أدركته صلاة العصر ’ فنظر حوله فرأى مسجداً قديماً على جانب الطريق ’ فمال نحوه ليصّلي العصر .. ولكن أستوقفةُ صوت (الأنين) الذي يأتي من خلف المسجد ..!! فما أن أنهى صلاتة ’ فسرعان ما اتجه نحو ذلك الصوت ’ فوجد شخصاً مريضاً نائماً على الأرض في طرف المسجد ’ فلمسه بيده فوجده مصاباً بالحمى ’ فسأله عما يشعر به ’ فقال له : إن جسمه كله يؤلمه ’ وأنه غريب منقطع ليس له أحد ’ لذلك هو لجأ إلى هذا المسجد المنقطع والبعيد عن العمران .. فسأله ابن هبيرة عما يشتهيه ..؟؟ فقال له الرجل : إنني أشتهي عنقوداً من العنب ... عنقود من العنب ..!! فقال في نفسة : من أين لي بعنقود من العنب الآن وأنا بعيد عن العمران وليس معي درهم واحد ..؟؟ سأسعى جهدي للحصول على عنقود من العنب لهذا المريض الذي يودّع آخر أيام الدنيا ويستقبل أول أيام الآخرة لعّله يدعو لي دعوة مستجابة يفرج بها الله تعالى عني ما أنا فيه . وهكذا صنع المعروف لوجه الله تعالى مع هذا المريض الفقير المجهول وهو لا ينتظر منه أي جزاء أو مقابل ’ فكان معروفه هذا نقطة تحوّل غيّرت مجرى حياته وأوصلته إلى الوزارة بعنقود من العنب..!! ذهب ابن هبيرة يجري لكي يصل العمران قبل حلول الظلام ’ ووصل إلى دكان لبيع الفاكهة فوجد فيها عناقيد شهية من العنب ’ فتناول عنقوداً كبيراً منها وقال لصاحب الدكان : بكم هذا العنقود ..؟ قال : بنصف درهم ’ فقال له ابن هبيرة : ولكن ليس معي ثمنه الآن ’ وأنني أرهن عندك عباءتي هذه إلى أن آتيك بثمنه .. فرضي منه البائع ذلك ’ فخلع ابن هبيرة عباءته وأعطاها للبائع ’ واخذ عنقود العنب وذهب يركض إلى المسجد الذي فيه المريض ’ فوصل إليه مع غياب الشمس وهبوط الظلام ’ فتوضأ وصلى المغرب ’ وغسل عنقود العنب بالماء وقدمّه للرجل المريض ’ ففرح المريض به فرحاً شديداً وألتهمة كلهّ ’.. وقال : الحمد لله الذي قضى شهوتي قبل أن أموت ’ فقد كنت أشتهي العنب منذ مدة طويلة ولا أستطيع شراءه لأني لا أملك ثمنه ..! ثم التفت إلى ابن هبيرة وقال له : أنت رحمة أرسلها الله سبحانه وتعالى إلّي ’ اجلس يا بني لأحكي لك قصتي قبل أن أموت ’ فأنني أشعر أني سأموت في هذه الليلة ..!! أنا رجل من خُراسان اسمي (أحمد) كنت تاجراً من كبار تجار مدينة (مرو) في خرسان ’ وكان لي أخ تاجر مثلي أصغر مني اسمه (محمود) ’ ومنذوا سنة تقريباً اتفقت أنا وأخي على الذهاب في القافلة التي تذهب عادة من (مرو) إلى بغداد لشراء بضاعة من بغداد فنبيعها في خراسان .. فاشتريت أنا بالمال الذي معي بضاعة من "مرو" لكي أبيعها في بغداد واشتري بدلاً منها بضاعة من بغداد آخذها إلى "مرو" . أما أخي محمود فلم يشترِي بضاعة وإنما كان معه ألف دينار وضعها في حزام وأعطاني إياه لأخبئه له معي لأنني أكبر منه وأوعى ’ ولكن قبل وصولنا إلى بغداد خرج علينا قطّاع الطرق فهاجموا القافلة ونهبوا البضاعة كلها ’ وقتلوا منا ناساً وجرحوا آخرين ’ وكنت أنا بين الجرحى ’ ولكنهم إعتقدوا إنني من الأموات فتركوني وذهبوا . تحاملت على نفسي وقمت بالتفتيش عن أخي بين القتلى وبين الجرحى فلم أجده ’ فقلت لعلي أجده في بغداد وكانت قد أصبحت قريبة منا ’ فتوجهت إلى بغداد وصرت أداوي جرحي في القرى التي أمر بها حتى وصلت بغداد وشفي جرحي ... أما عن بضاعتي أنا وأموالي فقد ذهبت كلها حيثُ أخذها اللصوص ولم يبق معي إلا حزام أخي الذي فيه ألف دينار وبضعة دنانير لي كانت في جيوبي ’ حيثُ صرت أنفق على نفسي من دنانيري حتى نفدت ’ ولم تسمح لي نفسي أن آخذ شيئاً من دنانير أخي ’ فأصبحتُ أعمل وأصرف على نفسي إلى أن أصابني المرض وأشرفت على الموت كما ترى . ومنذوا سنة وأنا أبحث عن أخي في بغداد ولكنني لم أجد له أثراً ’ وحزامه لا يزال معي وأظن أنني سأموت في هذه الليلة ’ فإذا مت أرجوا أن تغسلّني وتدفنني وأن تأخذ الحزام الذي فيه ألف دينار ’ وأن تبحث عن أخي محمود فإن وجدته فأعطه الحزام وإن لم تجده فالحزام لك .. افعل به ما تشاء . يقول ابن هبيرة : وفي الليل وأنا نائم إلى جانب الرجل المريض سمعته يتشهد ويشهق ’ فنظرت إليه فإذا هو قد مات ’ فقمت وغسّلته وصليّت عليه ودفنته وأخذت الحزام .. وعدلت عن الذهاب إلى قريتي (الدور) بعد أن صار معي ألف دينار ’ الأمر الذي جعلني أتوجّة إلى بغداد في الصباح ’ فذهبت إلى بائع العنب فأعطيته ديناراً أخذ منه نصف درهم ثمن العنب ورد إلي الباقي وأعطاني عباءتي . وذهبت بعد ذلك إلى شاطئ نهر دجلة لأنتقل إلى القسم الآخر من بغداد فوجدت قارباً فيه ملاح ينقل الناس بالأجر فركبت معه ودجلة نهر عريض يستغرق قطعه نحو نصف ساعة أو أكثر ’ فصرت أحادث الملاح فوجدت بأن لهجته غير بغدادية .. فسألته من أي البلاد أنت ..؟ قال أنا من خرسان من مدينة (مرو) قلت لةُ : ما اسمك ..؟ قال : محمود .. قلت : وما الذي جاء بك إلى هنا ..؟ قال : هذه قصة طويلة لا شأن لك بها ’ فأقسمت عليه أن يحكي لي قصته . قال لي : أنا كنت تاجراً في (مرو) وكان لي أخاً أكبر مني اسمه (أحمد) تاجراً أيضاً حيثُ اتفقنا أن نذهب إلى بغداد لنشتري بضاعة منها نبيعها بـ "مرو" وكان معي ألف دينار وضعتها في حزام وخبأتها مع أخي لأنه أكبر مني ’ وذهبنا مع القافلة ’ ولكن قبل وصولنا إلى بغداد خرج علينا اللصوص فنهبوا القافلة وقتلوا وجرحوا خلقاً منها ’ فهربت أنا منهم قبل أن يصلوا إلي . وفي اليوم الثاني عدت إلى مكان القافلة ففتشّت بين القتلى والجرحى فلم أجد أخي ’ والظاهر بِأنه (طمِع) في الألف دينار التي كانت معه فأخذها وهرب بها وتركني أقاسي الفقر والحرمان ’ فجئت إلى بغداد وجلست على شاطئ دجلة حزيناً ’ فرآني صاحب هذا القارب فسألني عن حالي ’ فحكيت له قصتي ’ فقال لي : تعال عندي وأعمل معي على القارب فإنني قد أصبحت شيخاً عجوزاً ضعيفاً لا قدرة لي على العمل وليس لي ولد . فاشتغلت معه ’ ثم زوّجني ابنته وأسكنني في بيته ثم توفّي منذوا بضعة أشهر (رحمه الله تعالى) .. يقول ابن هبيرة : فسألته عن صفات حزامه ’ فكانت مطابقة لصفات الحزام الذي معي .. فتيقنّت أنه هو صاحب الحزام ’ فأخرجته له ’ فلما رآه شهق وكاد أن يغمى عليه .. فرششت عليه الماء فانتبه وقال : من أين لك هذا الحزام ..؟ فحكيت له قصة أخيه وقلت له : إنه لم يهرب بالحزام .. بل كان يبحث عنك في بغداد ليرّده إليك . فقال : رحمه الله رحمة واسعة ... وفرح فرحاً شديداً بالحزام .. فقلت له : عدّ الدنانير فوجدها 999 ديناراً .. فقلت له : الدينار الناقص صرفته لأدفع منه ثمن عنقود من العنب لأخيك . فقال : سامحك الله به وهذه عشرة دنانير أخرى لك .. وأعطاني عشرة دنانير ذهباً ’ فتركته وذهبت .. وعندما وجدت نفسي في بغداد قلت : لأذهب إلى ديوان الوظائف وأسألهم عن الوظيفة ’ فذهبت وما إن رأوني حتى قالوا : أين أنت ..؟ إننا نبحث عنك فقد شغرت عندنا وظيفة لك . وهكذا كان عنقود العنب هو السبب بعد الله سبحانة في رجوعي إلى بغداد وحصولي على الوظيفة ’فتنقلت في الوظائف حتى أصبحت مشرفاً على مخازن الخليفة المقتفي لأمرالله ’ ثم أصبحت كاتباً في ديوان الخليفة ’ ولما رأى الخليفة (كفايتي وأمانتي) ونصحي قلّدني الوزارة في سنة 544هـ وبعد أن توفي الخليفة المقتفي لأمر الله صار ابن هبيرة (وزيراً) لابنه المستنجد بالله .. وبقي في الوزارة إلى أن توفي سنة 560هـ رحمه الله تعالى . |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
[font=lucida console][size=4][color=darkslateblue]يعطيك العافية يا بو محمد[/color][/size][/font]
[font=lucida console][size=4][color=darkslateblue][/color][/size][/font] [font=lucida console][size=4][color=darkslateblue] لنا عوده للقراءة بتمعن أكثر[/color][/size][/font] [font=lucida console][size=4][color=darkslateblue][/color][/size][/font] [font=lucida console][size=4][color=darkslateblue]ولاهنت[/color][/size][/font] |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
هلا داعي
شكرا لمرورك ولاهنت اخي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
[size="6"][font="century gothic"][color="darkorchid"][b]
.... اخي،، الطامي احسنت وابدعت بسردك لنا هذه القصه الرائعه لنتعلم منها الصدق والامانه التي افتقدنا منها الجزء بهذا الزمان رغم ان هناك طيبون يحاولون الحفاظ رااائع جداً اعذرني واعتذر للاطاله تقبل مروري أخ ــتك/ نفحة الطيب[/b][/color][/font][/size] |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
رااائع اخى الشاعر الطامى
ماتترجمه هذه القصه والتى تترجم الامانه والصدق والذى نفتقده هذى الزمان لاهنت ودام طرحك |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
نفحة الطيب
شكرا لمروركي لاهنتي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
الخنساء
شكرال مروركي ولاهنتي اختي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
[center][font=comic sans ms][size=6][color=magenta]الف شكر على روعة طرحك[/color][/size][/font]
[font=comic sans ms][size=6][color=magenta]دمتي بحفظ الرحمن[/color][/size][/font] [/center] |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
عطر الياسمين
شكرا لمرورك لاهنتي اختي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
شكرا لك على الموضوع الرائع ، ويعطيك العافية
" تقبل تحياتي" |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
هلا زهرة الياسمين
شكرا لمرورك ولاهنتي اخيت |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
[center][font=comic sans ms][size=6][color=purple]تسلم الطامي على روعة الطرح[/color][/size][/font]
[font=comic sans ms][size=6][color=purple]لك من التحية أغـلاها[/color][/size][/font] [/center] |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
حوريه
شكرا لمرورك لاهنتي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
[font="century gothic"][size="5"]يعطيكـ الف عااافيه
بنتظااار ابداعكآـ وتميززكـ الجمييييييييل لاعدمناآأإ تواااجدك ودي وتقديري.. لك [/size][/font] |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
همسات
شكرا لمرورك لاهنتي اختي |
رد: الصدق والأمانه والدعاء مع اوزيرابن ه
لمثل هذه المواقف صان التاريخ لنا تلك القصص
وليتنا فهمنا ماعلينا وما لنا دمت بطيب وسعادة على تلك القصة الرائعه |
الساعة الآن 11:38 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات الفطاحلة