رحيل أم فرار أم ... ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
لكأنما ناموس الكون وشريعته يدعو كل حي أن أبحث لك عن رفقة لتحيا و إلا لفظتك الحياة هنالك حيث المجذوبين إلى عالم اللاوجود .. عالم فيه الجسد وحده يترنح فى العدم دون ما غيره من أسباب الحياة .. ومن رحمة الخالق بالخلق أن جبلهم على الخلق والصنعة حين العثرة وضنَّ الطبيعة أن تهبهم مَن ْبنى جنسهم من يؤنس حالهم . وقفتْ فى شرفة بيتها المطلة على ساحة خالية إلا من زروع وبعض من شجر النخيل ينتصب .. خالته فى حال عشق ووله ينتظر.. كما اعتادت النفس منها فى كل يوم ٍ أن تحضر صلاة الكون ساعة ميل الشمس ساجدة ذائبة في حمرة من الشفق المهيب , تود هى لو الشمس دعتها لتكون برفقتها فى الرحيل .. وتبقى بعيونها المشرقة ترنو تجاه محطة المغيب ذاك الأفق .. حتى يقتحمه الظلام ويستعمره غير آبهة فلا تزال تلك اللحظات من الشمس على عيونها مطبوعة حتى تأتيها نسائم من أنفاس الليل باردة حانية وكأنها معتذرة لها عن رحيل شمسها دونها فى رحلة السفر البعيد .. أنها الجلبة تعلو وتزداد خلفها تدعوها ماندو .. ماندو .. فتستجيب بنظرة الى الوراء مهتاجة العاطفة بلا حراك ولكنه يظل الصوت يدعوها .. .. أنه زوجها ذلك الرجل الذى لم يبلغ العقد الرابع من العمر بعد , فارع الطول بهي الطلة واضح القسمات .. فتعود ماندولين بخطو هادئ مفارقة معبدها ولكن بالجسد وحده دون الروح ولا يزال على بريق عينيها شئ يشتعل من نور بل فى جميع ملمح وجهها أثر من نور وضاء جميل .. - ألا تسمعين الولد وهو ينتحب فى بكاء حائر متواصل باحثا عن القطة فهو يتسمع موائها ولا يجدها ؟!! تستجمع ماندولين شتات نفسها وتلملم ذاكرتها المبعثرة هناك لتكون حاضرة بجميع حالها حاملة صغيرها حامد وقد توهجت وجنتاه وتورد وجهه الملائكى الغض مقبلة وضامة وحاضنة حتى لكأنها تكاد تغرسه وتزرعه بحنايا القلب من جديد مجففة دموعه بأصابعها محدثة أياه بهمس الشوق مداعبة مدللة ............................. أما الأب فقد غاب وكأن طيف خياله هو الذى كان حاضرا من ثوان مضت تلاشى فى صومعته يعزف على أوراقه مستغرقا يسجل همسات الحياة بين طيات رواياته وإبداعاته القصصية . تتبع صوت مواء القطة فى سكت حتى عن الهمس متصنعة حال من البحث البوليسى الجاد للتسرية عن صغيرها .. مداعبة , ها هى القطة بالخزانة .. تعالى أيتها الهاربة من سيدك , ينخلع حامد فى ذات اللحظة عن صدر أمه وكأنها بالفعل شرطى قد أدى مهمته وعليه بالرحيل .. مبتهجا هو بالقطة وعودتها محدثا أياها بكلمات و نغمات تنم عن الفرح والابتهاج .. ويمضى الليل ككل ليل من سنوات مضت وككل نهارات الأيام .. هى تنتظر الغروب مسحورة بالشمس والصغير مشدوها بالقطة مغرما يحكى معها ويسعد بها ويبكى لا لغير مغيبها إذا ما عن عينه توارت للحظة فهى وحدها له بكُلها دونما شئ إلا هو .. والأب الزوج فى هدأته مع الكلمات والفكَّر يغيب ويفيق عليها يرتوى منها ويلهبه العطش فيعود إليها ليعبَّ منها . وفى صبيحة يوم من أيام شهر فبراير أفاق البيت بجميع أهله وقطته على دوى بالبيت نتج عن تماس حدث فى الاسلاك الكهربائية وحيث أن التكنلوجيا فى أكثرها يعتمد على الكهرباء ونحن بتنا لا غنى لنا عنها فقد أسرع رب البيت على عجل فى طلب حضور القائم على معالجة ذاك الخلل الحادث .. ودقائق وحضر المختص ومساعديه وأنتفض البيت من دعته وهدوئه ليستحيل ممرا مفتوحا على الشارع به غرباء يتنادون ويتصايحون ما بينهم بغية الوصول لموضع الخلل واصلاحه .. ووقت والتأم الحال وعادت الكهرباء واستكان البيت كعادته فى اللحظات الأولى فقط من هذا اليوم وما له من تاريخ وحدود فاصلة .. حامد ذاك الصغير.. روح وريحانة وشمس لا تغيب ونهر عذب لا ينضب ولا يغيض .. وآه حين ترتسم الآه على وجه ابن الثالثة والحيرة تستحيل فى عينيه ذوب دموع فى سكون تنثال هاطلة وكأن الحدث جلل وجب أن ينتفى عنه الهرج والصياح والعويل .. غابت القطة .. وغابت القطة .. هو يحبو وكأنه قد عاد القهقرى لعامين .. يحبو عنها باحثا مناديا وهو كليم ( طوتا .. طوتا ........... ) وحين فاض بالقلب الصغير العناء علا بصرخته مستغيثا.. فأسرع الأبوان فى ارتجافة خوف وهلع .. فى محاولة لملمة جرح طفل كأنه اليتيم فما استقى الحب الرقراق من غيرها ولا الرفقة الحانية من البكور وحتى الغفو والمنام إلا منها .. وما رنَّت ضحكاته وعلت صداحة إلا حين ملاعبتها ومداعبتها له بقفزات ووثبات وحركات تخلق محيطا من البهجة والانتشاء .. تُرى أهى تلك القطة قد خلع عليها الحب أنسنة أشعرتها ما غفله الأبوان من يُتم حامد الحبيب فقررت ترك الساحة للأبوين والرحيل .. رحمة بالصغير ؟!! أما تُرى هى تملك من العقل والفكر ما جعلها تفر باحثة لها عن وليف ودفء أمومة قد أيقظها ذاك الإنسان الطفل الوديع الغرير ؟!! تُرى ؟؟!! ابتهال الجنوب |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
[align=center][color=#00008B]يا إلهي
بصدق قرأت كل حرف مما تفضلت به من إبداع وأحيانا أعيد قراءة السطر مرتين وثلاثة علني أستوعب ما سطرت من إبداع مقالة تستحق القراءة عدة مرات تحياتي لقلمك وفكرك[/color][/align] |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
بسم الله الرحمن الرحيم
كل الاحترام والشكر لمرورك الكريم أخي الفاضل وما أضفت من كلمات توج بها مقالي فكان في روعة الحسن دُمت سالما ودام مرورك العطر بإذن الله تعالى وأطيب تحياتي وتقديري |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
راائع حبيبتي ابتهال
لاهنتى كلمات واحرف راائعة سلمتى ودام حرفك |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
[quote=الخنساء;447879]راائع حبيبتي ابتهال
لاهنتى كلمات واحرف راائعة سلمتى ودام حرفك[/quote] بسم الله الرحمن الرحيم الأخت الحبيبة الخنساء أشكر إطلالتك البهية وحضورك العطر مع أطيب تحياتي ومحبتي |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
لست ادرى ماذا اقول
حبيبتى /ابتهال الجنوب لقد قرأتها اكثر من مرة جدا ررررررررررررررررررررائعة وشعرت انكى تتحدثى معى من خلالها كى اقرء واتدبر واتفهم مااجهلة شكرا حبيبتى دمتى ودام فكرك وقلمك وبكل اسف لم استطيع مراسلتك لأننى محجوبة من المراسلة ولست ادرى لماذا سعاد ابراهيم |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
كلمات جميلة متقنة
تحمل رسالة اجتماعية هامة تطرح مسألة تربوية غاية في الأهمية عن اولئك الذين قيل فيهم إن اليتيم هو الذي تلقى له ==اماً تخلت او اباً مشغولا كل الاحترام والتقدير ابو رائد |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
[COLOR="Indigo"]سرد قصصي يتمثل بـِ شرح متوازي
تفاصيل لحال قصه باعتقادي انها اتيه ابتهال بـِ انتظارك مجدداً كُل الود [/COLOR] |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
[font=Simplified Arabic][size=5][align=center]
تلكَ الأنانية تجعلنـا ننسى كلّ ما و من حولنـا و نهملهم و نعيشُ في عوالمَ نرغبُ بها أكثر لأننا اعتدنـا ألا نقدّر قيمة الأشياء من حولنـا ابتهال [color=#8B0000]أحسستُ بأنها مقدمـة لـِ قصـة و لن تنتهي بهذه السرعـة و السطران الأول و الثاني كانا دخولا موفقـا[/color] كلّ الودّ عُلا [/align][/size][/font] |
رد: رحيل أم فرار أم ... ؟!!
[quote=إبتهال الجنوب;447402]بسم الله الرحمن الرحيم
لكأنما ناموس الكون وشريعته يدعو كل حي أن أبحث لك عن رفقة لتحيا و إلا لفظتك الحياة هنالك حيث المجذوبين إلى عالم اللاوجود .. عالم فيه الجسد وحده يترنح فى العدم دون ما غيره من أسباب الحياة .. ومن رحمة الخالق بالخلق أن جبلهم على الخلق والصنعة حين العثرة وضنَّ الطبيعة أن تهبهم مَن ْبنى جنسهم من يؤنس حالهم . وقفتْ فى شرفة بيتها المطلة على ساحة خالية إلا من زروع وبعض من شجر النخيل ينتصب .. خالته فى حال عشق ووله ينتظر.. كما اعتادت النفس منها فى كل يوم ٍ أن تحضر صلاة الكون ساعة ميل الشمس ساجدة ذائبة في حمرة من الشفق المهيب , تود هى لو الشمس دعتها لتكون برفقتها فى الرحيل .. وتبقى بعيونها المشرقة ترنو تجاه محطة المغيب ذاك الأفق .. حتى يقتحمه الظلام ويستعمره غير آبهة فلا تزال تلك اللحظات من الشمس على عيونها مطبوعة حتى تأتيها نسائم من أنفاس الليل باردة حانية وكأنها معتذرة لها عن رحيل شمسها دونها فى رحلة السفر البعيد .. أنها الجلبة تعلو وتزداد خلفها تدعوها ماندو .. ماندو .. فتستجيب بنظرة الى الوراء مهتاجة العاطفة بلا حراك ولكنه يظل الصوت يدعوها .. .. أنه زوجها ذلك الرجل الذى لم يبلغ العقد الرابع من العمر بعد , فارع الطول بهي الطلة واضح القسمات .. فتعود ماندولين بخطو هادئ مفارقة معبدها ولكن بالجسد وحده دون الروح ولا يزال على بريق عينيها شئ يشتعل من نور بل فى جميع ملمح وجهها أثر من نور وضاء جميل .. - ألا تسمعين الولد وهو ينتحب فى بكاء حائر متواصل باحثا عن القطة فهو يتسمع موائها ولا يجدها ؟!! تستجمع ماندولين شتات نفسها وتلملم ذاكرتها المبعثرة هناك لتكون حاضرة بجميع حالها حاملة صغيرها حامد وقد توهجت وجنتاه وتورد وجهه الملائكى الغض مقبلة وضامة وحاضنة حتى لكأنها تكاد تغرسه وتزرعه بحنايا القلب من جديد مجففة دموعه بأصابعها محدثة أياه بهمس الشوق مداعبة مدللة ............................. أما الأب فقد غاب وكأن طيف خياله هو الذى كان حاضرا من ثوان مضت تلاشى فى صومعته يعزف على أوراقه مستغرقا يسجل همسات الحياة بين طيات رواياته وإبداعاته القصصية . تتبع صوت مواء القطة فى سكت حتى عن الهمس متصنعة حال من البحث البوليسى الجاد للتسرية عن صغيرها .. مداعبة , ها هى القطة بالخزانة .. تعالى أيتها الهاربة من سيدك , ينخلع حامد فى ذات اللحظة عن صدر أمه وكأنها بالفعل شرطى قد أدى مهمته وعليه بالرحيل .. مبتهجا هو بالقطة وعودتها محدثا أياها بكلمات و نغمات تنم عن الفرح والابتهاج .. ويمضى الليل ككل ليل من سنوات مضت وككل نهارات الأيام .. هى تنتظر الغروب مسحورة بالشمس والصغير مشدوها بالقطة مغرما يحكى معها ويسعد بها ويبكى لا لغير مغيبها إذا ما عن عينه توارت للحظة فهى وحدها له بكُلها دونما شئ إلا هو .. والأب الزوج فى هدأته مع الكلمات والفكَّر يغيب ويفيق عليها يرتوى منها ويلهبه العطش فيعود إليها ليعبَّ منها . وفى صبيحة يوم من أيام شهر فبراير أفاق البيت بجميع أهله وقطته على دوى بالبيت نتج عن تماس حدث فى الاسلاك الكهربائية وحيث أن التكنلوجيا فى أكثرها يعتمد على الكهرباء ونحن بتنا لا غنى لنا عنها فقد أسرع رب البيت على عجل فى طلب حضور القائم على معالجة ذاك الخلل الحادث .. ودقائق وحضر المختص ومساعديه وأنتفض البيت من دعته وهدوئه ليستحيل ممرا مفتوحا على الشارع به غرباء يتنادون ويتصايحون ما بينهم بغية الوصول لموضع الخلل واصلاحه .. ووقت والتأم الحال وعادت الكهرباء واستكان البيت كعادته فى اللحظات الأولى فقط من هذا اليوم وما له من تاريخ وحدود فاصلة .. حامد ذاك الصغير.. روح وريحانة وشمس لا تغيب ونهر عذب لا ينضب ولا يغيض .. وآه حين ترتسم الآه على وجه ابن الثالثة والحيرة تستحيل فى عينيه ذوب دموع فى سكون تنثال هاطلة وكأن الحدث جلل وجب أن ينتفى عنه الهرج والصياح والعويل .. غابت القطة .. وغابت القطة .. هو يحبو وكأنه قد عاد القهقرى لعامين .. يحبو عنها باحثا مناديا وهو كليم ( طوتا .. طوتا ........... ) وحين فاض بالقلب الصغير العناء علا بصرخته مستغيثا.. فأسرع الأبوان فى ارتجافة خوف وهلع .. فى محاولة لملمة جرح طفل كأنه اليتيم فما استقى الحب الرقراق من غيرها ولا الرفقة الحانية من البكور وحتى الغفو والمنام إلا منها .. وما رنَّت ضحكاته وعلت صداحة إلا حين ملاعبتها ومداعبتها له بقفزات ووثبات وحركات تخلق محيطا من البهجة والانتشاء .. تُرى أهى تلك القطة قد خلع عليها الحب أنسنة أشعرتها ما غفله الأبوان من يُتم حامد الحبيب فقررت ترك الساحة للأبوين والرحيل .. رحمة بالصغير ؟!! أما تُرى هى تملك من العقل والفكر ما جعلها تفر باحثة لها عن وليف ودفء أمومة قد أيقظها ذاك الإنسان الطفل الوديع الغرير ؟!! تُرى ؟؟!! أم أنها هى سُرقت وليس لها من قلب ولا عقل ولا أدنى فكر يُصيب ويُحسن التفكير؟!! تُـــــــــــــــرى .. ؟!! ابتهال الجنوب[/quote] الرائعة ابتهال الجنوب بديع ما خطه قلمك ورائع ما رسم بعناية وكانني امام لوحة بالوان زاهية تسلمي ويسلم فكرك تقبلي مروري احترامي وتقديري |
الساعة الآن 02:14 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات الفطاحلة