من الطبيعي ان تكون لكل لغة لهجات متعددة... وتكاد لا توجد لغة في العالم حديثا او قديما في التاريخ الغابر دون ان تحتوي على لهجات متنوعة وخصوصا اذا كانت تلك اللغة منتشرة على مساحة غير صغيرة نسبيا!!
وليس صحيحا ان اللغة العربية الفصحى التي تكلم بها العرب في الجاهلية كانت خالية من اللهجات..بالعكس كان عرب الجاهلية يتكلمون الفصحى بلهجات متعددة..فكان لاهل اليمن وعرب الجنوب لهجات وليس لهجة واحدة..ولاهل الحجاز لهجات ولعرب نجد لهجة خاصة بهم وحتى عرب العراق حكم المناذرة وعرب الشام تحت حكم الغساسنة كانت لهم لهجات في الفصحى!
والفصحى التي نعرفها اليوم والتي سادت بعد ظهور الاسلام هي الفصحى بلهجة قريش وليست الفصحى بلهجة اليمن او نجد...لان القران نزل بلهجة قريش الحجازية والسنة النبوية الشريفة كانت بلسان محمد الهاشمي القرشي الحجازي صلى الله عليه واله وان تعاليم الدين الاسلامي والشريعة والفقه اخذت من الصحابة وخصوصا المتفقهين في الدين وكانوا اكثرهم من الحجاز مثل الامام علي بن ابي طالب وعبدالله بن عباس وابن مسعود ومن الماجرين والانصار ومن اهل البيت عليهم السلام وكلهم كانوا من الحجاز...ولا تنسوا ان اهل الحجاز كانوا افصح العرب ولهجتهم اجملها واعذبها على المسامع فقد عرفوا هم باهل التحكيم في البلاغة الشعرية والنثرية فكان سوق عكاظ الادبي على ضواحي مكة وسوق مجاز ايضا في الحجاز قرب مكة!!
ولهذه الاسباب فان الفصحى الحجازية هي التي طغت على غيرها الى يومنا هذا..
اما لماذا توجد اليوم لهجات عامية في العالم العربي او حتى في البلد العربي الواحد اكثر من لهجة واحدة على حسب المنطقة...فهناك عوامل مهمة ومؤثرة:
اولا العامل الجغرافي
فمثلا تجد سكان المناطق الجبلية والصحراوية لهجتهم خشنة رجولية عالية الصوت فربما لان سكان تلك المناطق تجد في حياتهم كثرة الصراع بين العشائر والجماعات والثارات والنعرات فينمو في وجدانهم هذا الاحساس الخشن في اللغة والمعاملة والعادات وهذا ليس بالضرورة شئ سلبي وانما طبيعة البيئة هي التي تفرض عليهم هذا الشئ!! وفي المقابل تجد اهل السواحل البحرية غالبا تكون لهجتهم لطيفة سهلة وناعمة لان سكان السواحل يمارسون السفر والتجارة بكثرة ويحتكون مع كثير من الشعوب عبر البحر ولهذا فلابد من الحديث اللطيف ذو اللغة المحببة الناعمة في المعاملات التجارية وغيرها ليستهوي الزبون ويبيع البضاعة فيصعب ان يبيع بضاعته اذا تكلم بخشونة وعنفوان!!
العامل الديمغرافي
فتجد في منطقة واحدة هناك عرب وعجم فالعرب يتكلمون العربية والعجم مثلا الكردية فمع الاحتكاك المستمر مع العجم تدخل وتعرب كلمات كردية كثيرة في لهجة عرب تلك المنطقة واحيانا ينطق العجمي بعض الالفاظ العربية على لسانه العجمي فتصحف كثير من الالفاظ على غير نطقها السليم وتكسر قواعد النحو والصرف وهكذا مع مرور الزمن والاجيال تنتج لهجة خاصة بتلك المنطقة... ففي الشام مثلا سكن قبل العرب ولا زالوا السكان الاصليون من السيريانيين والاكراد والفينيقين والكنعانين وغيرهم و الى جانب العرب توافد عجم كثيرون على سكنى الشام مثل الامن والشركس والنور و غيرهم وحكمها عجم اخرون مثل المماليك والاتراك العثمانين..و نفس الشئ ينطبق على مصر التي سكنها الفراعنة والاقباط والنوبة قبل العرب وتوافدت عليها اعراق كثيرة من اغريق وارمن واتراك ومماليك وكذلك كان اكثر حكامها من العجم.... وكانت الدولة العثمانية لا تشجع العربية كثيرا وكانت ادراة البلاد العربية في الامور الرسمية تسير باللغة التركية وعندما بدأ المماليك و الاتراك حكم البلاد العربية هنا بدأ عصر الانحطاط بالنسبة للشعر واللغة العربية!!
ولا تنسوا ان الدولة العثمانية حكمت العرب تقريبا 800 سنة..وتخيل في هذه المدة بسبب التأثير التركي كيف لا تتغير العربية الى لهجة عامية خاصة لكل بلد!
عامل الاستعارة في اللغة..
قد تدخل في لغة عرب منظقة معينة الفاظ وكلمات وجمل وحتى امثال من لغة اعجمية في نفس المنطقة بسبب قصور اولئك العرب بلغتهم او عدم اكتراثهم او عدم وجود لفظ عربي قريب من المعنى المقصود..فعندها يستعيروا هذه الالفاظ الاعجمية وتصحف للتعريب وتدخل في العربية المحلية وتتكون لهجة مع مرور الوقت وكثرة الاستعارات.
العامل الثقافي والتراثي..
العادات والتقاليد والمفاهيم تؤثر في اللغة..فاذا كانت هذه العادات من اعراق عجمية فربما لاتكون لها نظير لفظي في اللغة العربية فيأخذ الناس معانيها والفاظها من لغتها الام الاعجمية..واذا كانت عادات عربية الى جانب المعاني العربية الاصيلة تشتق لها مفاهيم ومصطلحات خاصة بالبيئة المحيظة باهلها صحراوية كانت ام جبلية فوصف الشجاعة والفروسية عند عرب الصحراء يختلف عن وصفه عند عرب السهول والجبال وان كانت اللغة واحدة فان النطق وصياغة المفاهيم تختلف!
العامل الديني والعقائدي
رغم ان الاسلام هو الدين الشائع بين العرب الا ان الاسلام له مذاهب وطرق متعددة..فالى جانب اهل السنة واهل الشيعة فهناك في اهل السنة مذاهب وطرق وكذلك في اهل الشيعة مذاهب وجماعات!!
وهذه العقائد تفرض مصطلخات ومفاهيم اضافية على لهجة اهل مذهب سلبا وايجابا..فاصبح يطلق الشيعة المتطرفون على السنة مصطلح نواصب والسنة المتطرفون يسمون الشيعة روافض..وعند الشيعة هناك مصطلحات مثل الخمس والحسينية والتطبير..وعند السنة الصوفية مصطلحات مثل الحضرة والمقام والتبرك والزيارة...و عند الوهابية مصطلح زواج المسيار والمسفار ويوم الشوفة....ولا ننسى الى جانب الاسلام هناك العرب المسيحيين الاقباط والكاثوليك والارمن وغيرهم وكل منهم عنده مصطلحات ومفاهيم عقدية خاصة تؤثر على لهجته!
المشاعر و المزاج العام..
فمثلا الحزن والفرح والرضا والسخط والتفائل والتشاؤم قد ينتج عنه تعابير ولحن معين في اللهجة..فمثلا عرب جنوب العراق تجد لهجتهم شيئا ما وقعها حزين وكئيب على الاذن وهذا بسبب تفاعلهم مع مناسبات مصائب ال البيت المأساوية مثل فاجعة كربلاء مثلا!!
وفي المقابل تجد لهجة اهل لبنان المسيحين مرحة وناعمة وهذا يعود ربما الى ثقافتهم الاحتفالية والغنائية!!
________
ماذا تريد؟؟
مصر....عاوز ايه؟....عاوز: من العوز ومعناه الحاجة....ايه: ايش وهي فصحى بغير لهجة قريش
السعودية..ايش تبي وايش تبغى او تبغي...تبي بلهجة نجد الحالية يعني تبغى وتبغى يعني تريد!
العراق....شي تريد؟؟...شي: ايش
سوريا ولبنان..شو بدك؟.....شو: ايش او ماذا.....بدك: تريد ولا تبدو لفظة عربية
السودان.....داير شنو؟؟؟.....داير ربما كانت رايد من الارادة وتصحفت او من الدوران تشبيه للذي يلف ويدور في سبيل ما يريد......شنو: يعني ماذا ولا اعلم ان كانت عربية ام لا ..وتستخدم بنفس المعنى في الكويت والعراق!
منقـــول