فى هذا اليوم الذى يرقد بين الذكريات هناك منذ عدة سنوات أراه و كأنه أمس أو اليوم ، أشعر ببرودته و قسوته
أرانى هناك أجلس فى غرفتى أنظر من شرفتى أنتظره أترقبه لم أراه منذ عدة شهور أبحث عن ملامحه الحبيبه
فى مخيلتى أضعها فى مقلتيا أغمض عليها عينىا ثم أرفع رأسى للسماء ، أتسائل ..، أبى متى تعود ..؟
كنت فى السابعة عشر من عمرى وكان أبى ضابطا بالقوات المسلحه المصريه و فى المرة الأخيره التى رأيته
فيها أتى ليلا و غادر ليلا و لم يمضى من الوقت على رحيله أكثر من يوم واحد ثم هاجت الدنيا و ماجت..، رأيت
الناس يتجمعون وهم فرحى و يصيحون (( الله أكبر الله أكبر عبرنا إنتصرنا )) إستمعنا للإذاعه ..... حقا .. حقا
قامت قواتنا المسلحه بالهجوم برا و بحرا و جوا فى صباح يوم العاشر من رمضان الموافق السادس من اكتوبر
عام 1973 و عبرت القناه و حطمت خط بارليف فى ستة ساعات ، تسابقت وكالات الأنباء العربيه و العالميه
فى نقل الخبر و إذاعته و تأكيده و بدأت الأذاعه فى بث الأغانى الوطنيه التى تتدفق بها الدماء فى العروق و تنفتح العيون على مصراعيها و يمتلئ الناس بالنشاط و الحيويه و هم فرحى و فخورين رأيت كل الناس آنذاك و كأنهم أسرة واحده يتبادلون التحيه و يتسابقون فى بذل العطاء بحب و أخوه و إنتماء
و مضت الأيام سريعه يشوبها الفرح بالنصر و الخوف و القلق على والدى ..، أعرف أنه يحب الوطن و يحمل فى قلبه كرها عظيما لأعداءنا و لن يتورع على أن يبذل دماءه فى سبيل الله و الوطن ..، و هذا ما يخيفنى و يؤرقنى ما زلت أذكر دموعه التى إنهمرت بغزاره مرتين .. الأولى بعد نكسة 1967 و الثانيه يوم وفاة الزعيم الراحل ..،
(( جمال عبد الناصر ))
و أنتهت المعركه بنصر(ن) من عند الله و بدأ خفقان قلوبنا ورعشة أجسادنا معنا على طريق الإنتظار ..، طالت
الأيام و لم يعود والدى .. سألنا عليه .. قالوا إنه بخير .. و سيعود .. و لم يعود
و فى مساء ذلك اليوم الذى لن أنساه ، سأظل أذكر شمسه التى لم تشرق و لن أنسى أن القمر لم يسطع فى هذا اليوم لم تزل عينى محترقه و غريقه بدموع تغلى و تفور و إستلمنا هذه الوثيقه
وثيقة شرف
البطل الشهيد المقدم / عبد الحميد محمد صالح
استشهد فى ميدان التضحيه و الشرف فى معارك التحرير عام 1973
و إن القائد العام للقوات المسلحه إذ يبلغكم التعزيه الصادقه للسيد رئيس
الجمهوريه و القائد الأعلى للقوات المسلحه و عزاءه الشخصى و عزاء زملاء الشهيد البطل
ليسجل بكل فخر و إعتزاز أن الشهيد كان مثلا للشجاعة و البساله فى ميدان القتال
و أن إسم الشهيد الذى سبقنا بشرف الشهاده سيظل خالدا فى قائمة المجد و سجل الشرف
و هكذا لم يزل الحبيب أبى غائبا هناك فى المواجهه و لم تزل دمائه ساخنه
ترتوى منها رمال إحتوت بجوفها جسده و منعته من العوده