إنّ أعظم شعر ابن زيدون و أرقه و أعذبه قالهُ بعدَ أن ساءت علاقتهُ مع ولادة،فربّ ضارةٍ نافعـة ،و كانَ أعظم ما تميّز بهِ شعره تلكَ النغمات الحزينة التي لوّنت شعره، و هي نغمات صادرة عن اللوعة و الحرقة و ا لتحسّر و الحنين و العذاب في هذا الحبّ الذي أفادت منه الحياة، فجعلت منه شاعر الحبّ الأندلسي، و أضحى شعره ناي الأندلس الحزين،و كانت نونيته نبراس المحبّ الملتاع.
و ممـّا قالهُ في فراق ولادة:
إنّي ذكرتُكِ بالزهراء مشتاقا= و الأفقُ طلقٌ ووجهُ الأرض ِ قد راقا
و للنّسيمِ اعتلالٌ في أصائلِهِ=كأنّما رقّ لي فاعتلّ اشفاقا
يوم كأيّام لذاتٍ لنا انصرمت=بتنا لها حينَ نام الدهر سراقا
نلهو بما يسمتميلُ العين من زهر=حالَ الندى فيه حتى مال أعناقا
كلّ يهيجُ لنا ذكرى تشوقنـا=إليكِ لم يعد عنها الصدر أن ضاقا
فالآنَ أحمدُ ما كنّا لعهدكم=سلوتم و بقينا نحنُ عشاقا
و ممّا يجدر ُ ذكره أنّ ولادة هذه كانت متحرّرة من كلّ قيد و ذلك يعود لما كانَ للمرأة من حريّة بلغت أقصاها في الأندلس في القرن الخامس الهجريّ، فقد كانت تتغزّل علنـا و لم يقتصر ذلك على الجواري كما في المشرق ، إنّما تساوت الجواري مع الحرائر في البيئة الأندلسية، حيث ُ كانت تعقد تلكَ الحرائر ندوات فيها الصخب و الغناء و العبث و المجون، و كانت ولادة بنت المستكفي واحدة منهنّ ، لذا ندرك أنّ حبّ ولادة لابن زيدون لم يكنْ إلاّ لهوا و عبثا لمن هنّ في مثل تحرّرها و انفلاتها، و كما لهت مع ابن زيدون ، مضت تلهو مع ابن عبدوس الوزير و تتساقى معه كؤوس الهوى مترعة كما تساقتها مع سابقه.
هذه الولادة عاشت حياتها طولا و عرضا دونَ أن تدعْ من اللهو شيئا إلاّ عبت منه عبّا و لا يحول حائل دونَ المجاهرة بذلك، فلم تتزوج طيلة حياتهـا.
زهـرة
شكرا لما أمتعتنا به من شعر راق ٍ
و أعتذر لأنني أطلتُ في الحديث
فابن زيدون شاعر ٌ يجدر بنا أن نحيط بحياته
لما نزفَ لنا من أشعار عذبة حزينة رقراقة
احترامي و مودتي
عُلا