الرياض:
"مات الطموح" عبارة ترددت كثيراً على لسان فتيات سعوديات من حملة المؤهلات الجامعية، إما لأنهن لم يحصلن على وظيفة العمر أو أنهن ألقين بشهادة البكالوريوس داخل الأدراج الخاوية بحثاً عن "وظيفة" أياً كانت.. حيث إنه خلال العامين الأخيرين استحدثت عدد من المصانع أقساما نسائية لتوظيف السعوديات تشترط المهارة والقدرة على مزاولة العمل, ومن هؤلاء العاملات الماهرات فتيات جامعيات خرجن من الحرم الجامعي بشهادة تسمى "عليا" ليزاولن بعدها وظائف لا تعترف بالشهادة ،لجأن لهذه الوظيفة بحثاً عن المردود المادي من جهة وللقضاء على وقت الفراغ من جهة أخرى، على الرغم من أن الأقسام النسائية بالمصانع لا تعترف بالمؤهل الدراسي وتعتمد على الإنتاجية فقط حيث تتساوى الرواتب الشهرية بين جميع العاملات بغض النظر عن المؤهل.
وتشير دراسة للغرفة التجارية والصناعية بالرياض إلى وجود 378.595 فرصة عمل متاحة لإحلال العمالة النسائية السعودية محل العمال الوافدة إلا أن مثل هذه الفرص متحركة غير ثابتة تتدرج من حيث قابليتها للسعودة وتوافر التأهيل المناسب ومدى قبول العمل فيها.
وتتقاضى عاملة المصنع راتبا قدره 2000 ريال شهرياً بلا زيادة سنوية, وتحصل في بعض المصانع على ما يسمى "حافز" في حال أنتجت زيادة على الكمية المطلوبة, وتؤكد فخرية معدي إسماعيل - مديرة مصنع ناردين للإنارة - بأن العاملات داخل المصنع من طبقة واحدة فلا فرق بين الجامعية وصاحبة الشهادة الابتدائية لأن حاجتهم للعمل واحدة موضحة بأن عدد العاملات قد وصل إلى 26 ومازالت هناك حاجة لمزيد من العاملات خصوصاً بعد التوسعة المتوقعة بالمصنع خلال الفترة القريبة القادمة, ويبدأ العمل من الـ7 صباحاً حتى 3 مساءً وتنتج العاملات 1600 لمبة كعدد مطلوب إلا أن العاملات قد وصلت إنتاجيتهن إلى 2400 لمبة بسبب الحماس والاجتهاد في العمل وكذلك رغبة في الحصول على مكافأة ترفع مقدار الراتب الشهري الذي يصل أحياناً إلى 2500 أو 3000 ريال.
من جهتها توضح وفاء الخضيري مشرفة القسم النسائي بمصنع الإنارة ،وصول عدد العاملات السعوديات إلى 35 عاملة مشيرة إلى أن الإنتاجية تختلف حسب المنتج وتبلغ إنتاجية كل عاملة في مصنع الإنارة ما بين 160 حبة, 181 حبة, 152 حبة وما يزيد على ذلك تحصل العاملة على مبلغ إضافي. حيث يبلغ الراتب الأساسي 1100 ريال ويصل إلى 2000 ريال مع البدلات.
جامعيات كهربائيات
منيرة الدوسري, التحقت بالعمل في المصنع قبل 6 أشهر بعد جولة يائسة في البحث عن وظيفة تناسب مؤهلها الجامعي وتخصصها في الخدمة الاجتماعية, وبدلاً من أن تعمل كأخصائية اجتماعية تعتمد على قدراتها العقلية تحولت قدراتها إلى فنية ومهارية في تثبيت اللمبات وتمديد الأسلاك الكهربائية الداخلية. تقول "على أية حال فإن هذه الوظيفة بالنسبة لي مؤقتة لأني سأجاهد من أجل تحقيق الحلم".
وتكمل : وظيفة عامل مصنع ممتعة وجيدة وأفضل من الجلوس بالمنزل وأنا أتخذها الآن طريقاً لتحقيق الطموحات فالراتب الشهري إضافة إلى مساهمته بمصاريف المنزل فإنه يساعدني على بناء نفسي من أجل الوصول إلى وظيفة العمر فمن خلاله سأكمل المخططات وألتحق بدورات في الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية تجعلني أكثر تأهيلاً لنيل وظيفة تناسب مؤهلاتي.
وتؤكد الدوسري بأنها لا تشعر بالضيق كونها جامعية بوظيفة عامل ففي النهاية الأهم هو الوظيفة والدخل الشهري أياً كان - وكما تقول - حتى وإن كنت أعمل بالتساوي مع زميلات يحملن مؤهلات دراسية أقل مني.
وتقوم الجامعية منيرة الحربي, والحاصلة على شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية, بتركيب جوانب اللمبة ومن ثم تركيب الأسلاك الكهربائية بداخلها وتجميعها داخل قلب اللمبة, تقول "الفراغ متعب للغاية وهذا ما جعلني ألجأ إلى وظيفة عاملة مصنع وأقضي بذلك على كل طموحاتي وأمنياتي المستقبلية " مؤكدة بأنها لجأت إلى هذا العمل بعد أن قضى أرباب العمل على طموحاتها باشتراطهم (الخبرة).
وتشير الحربي إلى مواجهتها في بداية الأمر لرفض واستنكار ولوم الأهل والأقارب لقبولها بهذا العمل الذي لا فائدة وراءه للشهادة الجامعية, تقول "عندما وجدوني مقتنعة بهذه الوظيفة ومستمرة فيها اعتادوا على الوضع".
وتختلف أسباب نورة القميزي - خريجة كلية إعداد معلمات بكالوريوس رياض أطفال - لقبول هذه الوظيفة عن سابقاتها إذ إنها وجدت بالفعل عملاً يتناسب مع شهادتها وتخصصها بإحدى المدارس الأهلية إلا أنها لم تستمر نظراً لصعوبة طلبات هذه المدارس التي تكلف المعلمة أكثر من راتبها حتى تتمكن من إحضار المواد والوسائل المطلوبة للأطفال أثناء الدروس اليومية.
تقول القميزي "لا أرى أن العمل عيب وهذا ما أقنعت به أهلي الذين لم يتقبلوا وظيفتي كعاملة وتمسكي برأيي واقتناعي بعملي خصوصاً بعد الراحة التي وجدتها في هذا العمل جعل ضغوطهم واعتراضاتهم تخف تدريجياً".
ويبدو أن الراحة والاستقرار في العمل هما ما تنشده هؤلاء الفتيات, بشكل أكبر من الرغبة في تعليم الحروف الأبجدية وترديد الأهازيج والأناشيد وقصص الحلقة الصباحية بين الأطفال.
ومازالت المشكلة تتفاقم
ولا تجد خريجات بعض الأقسام مفراً من قبول أي وظيفة مهما كانت فكما تؤكد خطة التنمية السابعة لوزارة التخطيط , بأنه يتخرج حالياً نحو ثلثي إجمالي التعليم العالي من تخصصات العلوم الإنسانية في مجالات لا تتفق مع حاجة سوق العمل وتتفاقم هذه المشكلة على وجه الخصوص في حالة الخريجات, وهذا ما يؤكده تقرير وزارة التخطيط بوجود ضعف واضح بمواءمة المؤهلات التعليمية ومتطلبات سوق العمل ويتضح ذلك أيضاً من نسبة خريجات الدراسات الإنسانية والاجتماعية, ويظهر لنا بصورة أقوى من خلال العاملات الجامعيات بالمصانع.
انخفاض مساهمة المرأة مستمرة
وتشير الدراسة الصادرة مؤخراً عن مركز البحوث والدراسات بالغرفة التجارية والصناعية بالرياض إلى استمرار انخفاض نسبة مساهمة المرأة في سوق العمل وتراوحت بين 5.1% إلى 5.8% من مجموع الإناث السعوديات في سوق العمل وتوصلت الدراسة إلى أن أهم أسباب انخفاض مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل عدم توافق التخصصات التعليمية للخريجات مع سوق العمل إضافة إلى التقاليد الاجتماعية وقلة مجالات العمل المتاحة.
استغراب المجتمع
وإن كان وجود فتيات جامعيات على وظيفة " عامل " تعد مشكلة تواجهها مخرجات التعليم إلا أن هذه الوظيفة مناسبة وموائمة لمن هي حاصلة على شهادة أقل, ورغم ذلك فالفتيات مازلن يواجهن بعض الصعوبات لتعريف المجتمع بهذه الوظيفة المستحدثة مؤخراً في المجتمع السعودي والتي جاءت بمبادرة مركز التوظيف في جمعية النهضة النسائية حيث شعرت بمدى حاجة الفتيات لهذه الوظائف إضافة إلى حاجة المصانع لأيد نسائية عاملة.
تقول " ربيعة " الحاصلة على مؤهل الشهادة المتوسطة و تعمل في المصنع منذ عام : هناك تعجب واستغراب من قبل المجتمع حول عملي كوني امرأة سعودية أعمل في مصنع, مستدركة: إلا أن الراحة والمهارات التي اكتسبتها بعد العمل منحت أهلي كثيراً من الثقة والاعتماد علي كما أنهم استغنوا في المنزل عن عامل الكهرباء في حال حدوث أي عطل فالأهل والأقارب يلجأون لخبرتي كثيراً في هذه المسائل.
ووجدت ندى الحربي التي تعمل في المصنع منذ شهرين مكاناً بديلاً عن الجامعة التي تحلم بها, فقد حصلت على الثانوية العامة بنسبة لا تتجاوز 75 % وكما هو معروف لأصحاب هذه النسب تحريم دخول الجامعة, تقول الحربي "الوظيفة هي الوسيلة الوحيدة للقضاء على وقت الفراغ الذي عانيت منه لأكثر من عام بعد جلوسي بالمنزل" موضحة بأنها وجدت تقبل وتشجيع أهلها لهذه الوظيفة ولم تجد ما وجدته سابقاتها.
مصنع آخر
وانتقلت جولة "الوطن" من مصنع الإنارة ومصنع ناردين حيث مصنع الشراشف والأغطية بطريق الخرج بالرياض, هذا المصنع يعتمد في التوظيف على السعوديات الحاصلات على شهادة دبلوم خياطة, ويبلغ عدد العاملات 33 عاملة تبلغ إنتاجية كل عاملة ما بين 50 شرشفا إلى 60 شرشفا يومياً.
والملاحظ في هذا المصنع اختلافه عن غيره من حيث ساعات العمل والتي تصل إلى 9 ساعات يومياً دون مردود مادي إضافي حيث النظام لا يسمح بساعات دوام أكثر من 8 ساعات وهذا ما تسبب في نفور وتسرب الكثير من الموظفات بحسب تأكيد عاملات المصنع.
وتوضح أنفال الحباب - مديرة مصنع الشراشف والأغطية - بأن الأفضلية لتوظيف صغيرات السن من غير المتزوجات حيث تعاني بعض العاملات المتزوجات كثيراً في العمل تقول " هناك من يتدخل زوجها بعملها وهناك من لديها مسؤوليات قد لا تجعلها قادرة على الإنتاج المطلوب", وتضيف: مهم جداً المستوى التعليمي فهناك صعوبات في التعامل مع غير المتعلمات من ناحية استيعاب بعض الأنظمة والقوانين لذا فالتعامل مع العاملة المتعلمة أسهل بكثير.
وتتقاضى العاملة في مصنع الشراشف راتبا وقدره 2000 ريال وذلك بعد اجتيازها العام الأول في حين يبدأ التوظيف براتب 1600 ريال.
وتعمل مها القحطاني في مصنع الشراشف منذ عامين، حيث تقول: "العمل ممتع إلا أن ساعات الدوام الطويلة منهكة للغاية خصوصاً وأن هناك مسؤوليات أخرى مطلوبة منا كعاملات على مستوى الأسرة والمجتمع. وطبعاً هذه الوظيفة لا تحمل أي آمال أو تطلعات كل ما فيها الراتب الشهري فقط للمساهمة في مصاريف المنزل".
ولا تجد زميلتها فاطمة العتيبي التي تعمل في مصنع الشراشف منذ عام ونصف أي صعوبات مع تقبل أسرتها لهذه الوظيفة طالما لا يوجد فيها " اختلاط ".
أمل الدوسري أيضاً غير متزوجة ومعاناتها مع أهلها ليس بسبب الوظيفة ذاتها بل بسبب ساعات العمل الطويلة " رغم أني غير متزوجة ولم يعترض أهلي على وظيفتي اعتراضاً تاماً إلا أن مشكلتهم المستمرة هي ساعات الدوام الطويلة حيث لدي العديد من المسؤوليات المنزلية منها القيام بتدريس أشقائي الصغار ومراعاتهم".
وتكمل : الوظيفة مريحة لكنها بالطبع ليست لإرضاء الطموحات فخرجت من الكلية بعد أن تخصصت في قسم اللغة العربية من أجل الوظيفة لأنه من الصعب أن أجمع بين وظيفة ومسؤوليات منزلية ودراسة.
منقول مع التحية