يعتقد البعض أننا نتكلم بلهجة بعيدة عن الفصحى ، ولم يدر بخلد من يؤيد هذا الرأي أن هذا الإعتقاد ، يفتقد الأرضية
العلمية ، فمن يستعرض كتب الأحاديث النبوية الشريفة ، سيجد الكثير من المفردات الشعبية التي لانزال نستخدمها ، لكنه قل استعمالها في الفصحى ، ومن يتأمل في القرآن الكريم سيرى مفردات لاتزال تنطق بلهجة شعبية وبالذات في القصيم
مثل : يهدين ويشفين ...
ولأن هذا الموضوع سبق أن كتب عنه العلامة حمد الجاسر رحمه الله ، فقد اعد عنه أخي أبو رغد في منتدى الموروث مقالة جميلة نقلها من مجلة المنهل ربيع الأول وجماد الأولة 1360 هـ ، أحببت اطلاعكم عليها :
"كثير من اللهجات العامية لها مصدر من اللغة العربية الفصحى ، ولها أصل ترجع إليه ، واذن فلا عتب على من استعمل في كلامه وكتابته ما كان من ذلك النوع ، وقل مثل ذلك في كثير من الكلمات العامية ، والى القارئ بعض ما عثرت عليه في أثناء مطالعتي لبعض كتب …
1 – قال :
يعتمر هذه الكلمة عند نطق العامة بها صفتان عن مألوف كثير من الأدباء إخراج القاف من غير مخرجها ، - أي من مخرج هو إلى مخرج الكاف أقرب والصفة الثانية تفخيم اللام ، ونطق تلك الكلمة بهذه الكيفية صحيح لا مراء في صحته نص على الصفة الأولى الامام اللغوي " ابن دريد " في مقدمة " جمهر اللغة " واستبدل بيت شعر عربي قديم هو :
ولا أقول لقدر القوم قد غلبت ..ولا أقول لباب الدار مقفـول
وذكر هناك أن بني تميم يخرجون القاف في مثل كلمات هذا البيت من مخرج يقرب من مخرج الكاف ، وذكر الإمام السيوطي في ( المزهر ) في النوع الحادي عشر عن ( ابن فارس ) اللغوي الشهير مثل قول صاحب ( الجمهرة ) . أما تفخيم اللام فلهجة عربية قحة قد نص عليها كثيرون ، ولا يزال كثير من عامة عرب الجنوب وافق عامة هذه البلاد في تفخيمها أيضاً .
2 – إبدال الجيم ياء :
نص علماء اللغة على أن بعض العرب يستعملون ذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( حار يار )أي جار وقول بعض الشعراء :
إذا لم يكن فيكن ظل ولا جن...فابعدكن الله مـن شيـرات
أي شجرات وبنو تميم وأكثر أهل الساحل الشرقي في بلاد العرب محافظون على هذه اللهجة فيقولون " يا هل وريل الخ " في جاهل ورجل.
3 – ضمير المؤنث المخاطب – الكاف –
في نجد وكثير من البلدان المجاورة له يخرجون الكاف التي من هذا النوع من مخرج هو إلى مخرج السين أقرب ، ولا غضاضة في ذلك إذ نص أئمة علم اللغة على صحة ورود ذلك عن بعض العرب ، مثل صاحبي ( اللسان ) و ( القاموس ) وغيرهما في ( باب السين فصل الكاف)
4 – الوقوف على التاء المربوطة بتاء مفتوحة :
يروي صاحب القاموس وغيره أن اعرابيا وفد على أحد ملوك حمير في اليمن فقال له الملك : إقفز ، فقفز ذلك الإعرابي المسكن قفزة أحدثت له ضرراً فقال الملك لأحد جلسائه : لم فعل هكذا ؟ فقيل له امتثالاً لأمر الملك ، إذ هذا معنى اقفز في لغة العرب ، فقال الملك : ليس عندنا عربيت : من أتى اليمن فليحمر أي يتعلم لغة حمير . وهذه القصة تدل دلالة واضحة على صحة نطق التاء المربوطة تاء مفتوحة، وبهذه الصفة ينطقها أهل الشمال – أهل حائل ومن حولهم – فيقولونك الساعت ، الناقت ، وهلم جرا .
5 – حذف ألف هاء ضمير المؤنث الغائب .
أهل القصيم ومن والاهم يقولون : ( دار سكنته ، ناقة اشتريته ) ونحو ذلك وهم في نطقهم هذا سائرون على ( منهج اللغة العربية ) والدليل ما أورده كثير من علماء النحو في ( الاسم الموصول ) من أن بعض العرب الطائيين سمع يقول " بالفضل ذر أكرمكم الله به ، والكرامة ذات أكرمكم الله به " .
6 – أنطى – أي أعطى –
ابدال العين نوناً في هذه الكلمة وما تصرف منها لغة سار على النطق بها كثير من أهل نجد ، وهي بلا شك صحيحة فصيحة ، روى الإمام المحدث الشهير ( ابن ماجه ) أن بعض القراء المعتبرين قرأ ( انا أنطيناك الكوثر) وقد نص متقدموا الباحثين في ( اللغة ) على صحة النطق ، ووروده عن العرب .
7 – إبدال الهمزة عيناً
لا تستغرب حينما تسمع من العامة أو الخاصة من يسمي المؤتمر معتمراً والهيئة هيعة فالشاعر الإسلامي ذو الرمة يقول :
أعن توسمـت خرقـا منزلـة...ماء الصبابة من عينيك مسجوم
أي أأن توسمت آلخ .
8 – ضمير المؤنث المخاطب – الكاف – أيضاً
قبيلة آل مرة الشهيرة تخرج هذه الكاف من مخرج بقرب من مخرج الشين ولا غضاضة عليهم في ذلك لا سيما والإمام ابن دريد روى :
فعيناش عيناها وجيدش جيدهـا....سوى ان عظم الساق منش دقيق
اي
فعيناك عيناها وجيـدك جيدهـا...سوى أن عظم الساق منك دقيق
9 – إبدال ضمير التثنية بضمير الجمع
عامة سكان البلاد العربية في الوقت الحاضر لا يستعملون ضمير التثنية في التخاطب ، بل يبدلونه بضمير الجمع ، فيقولون مثلاً : ( رجال جاؤا ونساء خرجوا ) وهم لا يقصدون إلا التعبير عن اثنين واثنتين والتعبير بهذه اللهجة صحيح فقد جاء في القرآن الكريم : ( هذا خصمان اختصموا في ربهم ) وقوله تعالى( وإن طائفتان من المؤمنون اقتتلوا فاصلحوا بينهما ) . ولقائل أن يقول أن " الخصم "و " الطائفة " في الآيتين الشريفتين يشمل افراد كثيرين ، وإذن فلا دليل على صحة ما ذكرت فيهما. والجواب إن علماء اللغة رووا عن الإمام الشعبي – وحسبك بعربيته ومعرفته بأساليب اللغة – إنه دخل على عبد الملك ابن مروان فقال له عبدالملك : ما الذي أبطأ بك يا شعبي ؟ فقال : ( رجلان جاؤوني ) : فقال عبد الملك : لحنت يا شعبي . فقال الشعبي يا أمير المؤمنين : لا يعد هذا لحناً مع قوله الله تعالى : ( هذا خصمان اختصموا في ربهم ) . فقال عبد الملك : أحسنت يا فقيه العراقين .
10 - تعاقب الضاد والظاء في النطق
قل من يفرق بين الضاد والظاء في النطق في نجد ، وفي الحجاز ، ففي نجد يخرج الناطقون الضاد من مخرج الظاء ، وفي الحجاز بالعكس ، في كثير من الكلمات ، وكنت استدل بذلك على ضعف اللهجة العربية ظنا مني أنه ليس لهذه اللهجة أصل من اللهجة العربية حتى رأيت في " تفسير المنار ج1 ) نقلا لصاحبه السيد العلامة رشيد رضا – رحمه الله - ، عن بعض أئمة اللغة يدل على أن بعض العرب لا يفرقون بين الحرفين ، ذكر ذلك على تقصير كلمة ( الضالين ) .
11 – الحاق هاء السكتة بكثير من الأسماء
أهل الأحساء يلتزمون الحاق تلك الهاء لكثير من الأسماء في تخاطبهم فيقولون : ( صرمت نخلتيه وأغلقت دكانيه ) ونحو ذلك وتخاطبهم بهذا الأسلوب عربي قح ففي القرآن الكريم ( ما أغنى عني ماليه . هلك عني سلطانيه )
12 –الوقوف بالسكون على كل كلمة
القاعدة اللغوية العامة ان الأسماء المفتوحة المنونة يوقف عليهما مفتوحة ممدودة ، ولكن عامة سكان البلاد يخرجون عن تلك القاعدة فيقفون على كل كلمة بالسكون فيقولون مثلاً : ( رأيت محمد واشتريت جمل ) وأمثال ذلك . وهم في لهجتهم هذه سائرون على منهج عربي فصيح ، يسميه علماء اللغة ( لغة ربيعة ). وربيعة جذم عظيم من العرب .
13 – حذف ياء المتكلم
لا تسمع ياء المتكلم حينما تخاطب أحداً من أهل القصيم ، وقد يستغرب ذلك الباحث اللغوي ، ولكن حينما يقرأ قول الله تعالى ( فيقول ربي اكرمن .. فيقول ربي اهانن ) من سورة الفجر يزول استغرابه ، ويعرف ان من استعمل هه اللهجة فلا عتب عليه ، إذ لم يخرج عن الاسلوب العربي .
14 – ابدال " ال " التعريف بأم
في جنوبي البلاد ، يسمع الإنسان كثيراً من أمثال ( أم جمل أم دخن أم رجل ) في ( الرجل . الدخن . الجمل ) والمتكلمون بهذه الكلمات وأمثالهما لم يخرجوا عن جادة اللغة العربية قيد شعرة فقد ورد في كتب الحديث أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أمن ام بر ام صيام في ام سفر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس من ام بر ام صيام في ام سفر ) أي ( ليس من البر الصيام في السفر ) ."
انتهى ..
وفي هذا رد على من يعتبر الشعر الشعبي خطر على الفصيح ، فكما ذكرت في عدة مناسبات أن هذين النوعين
من الشعر يسيران جنب إلى جنب منذ القدم ، لكن لم يصلنا من الشعبي مكتوباً ، إلا ما كتبه الهلاليون لأهاليهم في الجزيرة العربية بعد هجرتهم إلى تونس ..
تحياتي