هذه الخطبة للشيخ / محمد المختار الشنقيطي
ألقاها الشيخ / أحمد عواض الزهراني مع بعض التصرف
بمسجد البر بمدينة جدة بحي الاستاد الرياضي
يوم الجمعة / 03/03/1428 هــ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله محمد أبن عبد الله
عباد الله أنقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الو ثقي وأعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى
وأكثروا من ذكر الموت والبلى وقرب المصير إلى الله جل وعلا
عباد الله
كلمة من الكلمات أبكت عيون الأزواج والزوجات , وروعت قلوب الأبناء والبنات , يالها من كلمة صغيرة
ولكنها جليلة عظيمة خطيرة ,
الطلاق . الوداع والفراق . والجحيم والألم الذي لا يطاق , كم هدم من بيوت للمسلمين , كم فرق من شمل للبنات والبنين , كم قطع أواصر للأرحام والحبين والأقربين
يالها من ساعة حزينة
يالها من ساعة عصيبة أليمة
يوم سمعت المرأة طلاقها , فكفكفت دموعها , وودعت زوجها , ووقفت علي باب بيتها , لتلقي آخر النظرات
على بيت ملئ بالذكريات , يالها من مصيبة عظيمة , هدمت بها بيوت المسلمين , وفرق بها شمل البنات والبنين
الزواج نعمة من نعم الله , ومنة من أجل منن الله , جعله الله آية شاهدة بوحدانيته , دالة على عظمته وإلوهيته
لكنه إنما يكون نعمة حقيقية , إذا ترسم كلا الزوجين هدى الكتاب والسنة , وسارا علي طريق الشريعة والملة ,
عندها تضرب السعادة أطنابها في رحاب ذلك البيت المسلم المبارك , ولكن ما إن يتنكب واحدا منهما عن صراط
الله حتى تفتح أبواب المشاكل , عندها تعظم الخلافات والنزاعات , ويدخل الزوج إلى بيته حزينا كسيرا , وتخرج المرأة من بيتها حزينة أليمة مهانة ذليلة , عندها يعظم الشقاق ويعظم الخلاف والنزاع فيفرح الأعداء , ويشمت الحساد عندها _ عباد الله _ يتفرق شمل المؤمنين , وتقطع أواصر المحبين
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجا يرعى الذمم , حينما فقدنا الأخلاق والشيم , زوج ينال زوجته اليوم فيأخذها من بيت أبيها عزيزة كريمة , ضاحكة مسرورة , ويردها بعد أيام قليلة حزينة باكية , مطلقة ذليلة
كثر الطلاق اليوم حينما أستخف الأزواج بالحقوق والواجبات , وضيعوا الأمانات والمسئوليات , سهر إلى ساعات متأخرة , وضياع حقوق الزوجات , والأبناء والبنات , يضحك الغريب , ويبكي القريب , يؤنس الغريب , يوحش الحبيب
كثر الطلاق اليوم حينما كثر النمامون , وكثر الحساد والواشون
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا زوجا يغفر الزلة , ويستر العورة والهنة , حينما فقدنا زوجا يخاف الله , ويتقي الله , ويرعى حدود الله ويحفظ العهود والأيام التي خلت , والذكريات الجميلة التي مضت
كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات , القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله , حينما أصبحت المرأة طليقة اللسان , طليقة العنان , تخرج متى شاءت , وتدخل متى أرادت , خراجة ولاجة غلي الأسواق , إلى المنتديات , واللقاءات , مضيعة حقوق الأزواج والبنات يالها من مصيبة عظيمة
كثر الطلاق حينما كثر الحساد والنمامون والواشون والمفرقون
كثر الطلاق اليوم حينما تدخل الاباء والأمهات , في شؤون الأزواج والزوجات , الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير وفي كل جليل وحقير , والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغير وكبير وجليل وحقير حتى ينتهي الأمر إلي الطلاق والفراق , ألم يعلما أنهما من أفسد زوجة على زوجها أو أفسد زوجا على زوجته لعنه الله
كثر الطلاق اليوم – عباد الله – لما كثرت المسكرات والمخدرات فذهبت العقول وزالت الإفهام , وتدنت الأخلاق وأصبح الناس في جحيم لا يطاق
كثر الطلاق لما كثرت النعم وبطر الناس الفضل من الله و الكرم , وأصبح الغني الثري يتزوج اليوم ويطلق في الغد القريب ولم يعلم أن الله سائله وان الله محاسبه وان الله موقفه بين يديه في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون ولا عشيرة ولا اقر بون
يا من يريد الطلاق , الطلاق الوداع والفراق , الطلاق جحيم لا يطاق , الطلاق يبدد شمل البنات والبنين , ويقطع أواصر الأرحام والأقربين
الطلاق عباد الله مصيبة عظيمة , فيا من تريد الطلاق اصبر فان الصبر جميل , وعواقبه حميدة , من الله العظيم الجليل
يا من يريد الطلاق إن كانت زوجتك ساءتك اليوم فقد سرتك أيام وان كانت أحزنتك هذا العام فقد سرتك أعوام
يا من يريد الطلاق انظر إلي عواقبه الأليمة ونهاياته العظيمة انظر لعواقبه علي الأبناء والبنات انظر إلي عواقبه علي الذرية الضعيفة فكم بدد شملها وتفرق قلبها بسبب ما جناه الطلاق عليها
يا من يريد الطلاق
صبر جميل فان كانت المرأة ساءتك فلعل الله إن يخرج منها ذرية صالحة تقر بها عينك
قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى
(( فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئآ ويجعل الله فيه خيرآ كثيرآ ))
قال : هو الولد الصالح
المرأة تكون عند زوج تؤذيه وتسبه وتهينه وتؤلمه فيصبر لوجه الله ويحتسب أجره عند الله ويعلم أن الله معه الله فما هي إلا أعوام حتى يقر الله عينه بذرية صالحة وما يدريك فلعل هذه المرأة التي تكون عليك اليوم جحيما لعلها تكون بعد أيام سلاما ونعيما وما يريك فلعلها تحفظك في آخر عمرك
صبرا فان الصبر عواقبه حميدة وإن مع العسر يسرا
عباد الله
اتقوا الله في الأزواج والزوجات ويا معاشر الأزواج تريثوا فيما انتم قادمون عليه إذا أردت الطلاق فاستشر العلماء وراجع الحكماء والتمس أهل الفضل والصلحاء واسألهم عما أنت فيه وخذ كلمة منهم تثبتك ونصيحة تقويك
إذا أردت الطلاق فاستخر الله وأنزل حوائجك بالله فإن كنت مريدا للطلاق فخذ بسنة حبيب الله طلقها طلقة واحدة في طهر لم تجامعها فيه لا تطلقها وهي حائض فتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه وإذا طلقتها فطلقها طلقة واحدة لأتزيد جاء رجل إلي أبن عباس فقال يا أبن عباس طلقت أمرآتي مائة طلقة
قال (( ثلاث حرمت بهن عليك وسبع وتسعون اتخذت بها كتاب الله هزوا ))
اللهم أصلح أزواجنا وذرياتنا وخذ بنواصينا إلي ما يرضيك عنا
وعلي الأزواج أن يعرفوا أن المرأة لا تكون خالية من العيوب والنقص إذ لا بد أن يوجد فيها نقص أو خلل كما قال المصطفي عليه السلام
(( إن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج شئ في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وأن استمتعت به استمتعت به وبه عوج )) وفي رواية (( كسرها طلاقها ))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي نزل علي عبده الفرقان ليكون للعالمين نذيرا وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له إنه كان بعباده خبيرا بصيرا وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله أرسله الله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا صلي الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد : فما أشد حاجة الأزواج الذين يعانون من زوجاتهم إلي معرفة العلاج الشرعي للشقاق بين الزوجين والحاجة ماسة للتقيد بما شرعه الله تعالي لما في ذلك من حفظ المودة ورد الجميل والرفق بالأولاد فحين يتم الطلاق بعد استنفاد الوسائل العلاجية التي منها الوعظ والتذكير والهجر ثم الضرب غير المبرح ثم الطلاق إلي الوسائل الخارجية من الإصلاح وغيرها يكون قد أتخذ قراره بهدوء وترو أما إذا كان الطلاق لأدني مشكلة وأدني تقصير فهنا الطامة فنعجب إن سمعنا خبر زوج طلق زوجته بسبب وجبة أو عناد في أمر حقير ونري اليوم مع الأسف بعض الرجال ممن لم يقدر أكرام الله له يجعل الطلاق بيده يتسرع في إيقاع الطلاق لأتفه الأسباب غير ناظر إلي ما يجره ذلك من نتائج وخيمة عليه وعلي زوجه وذريته فهو إن باع أو أشتري حلف بالطلاق وإن أراد أن ينزل أحدا علي رغبته طلق أو أراد منع زوجته من شئ حلف وطلق بل ربما مازح بعض صحبه بالطلاق أو راهن به
أيها الناس للطلاق أحكام شرعية وأدأب لا بد من مراعاتها تمس الحاجة إلي معرفتها والتقيد بها ومتى غفل الناس عنها فقدوا ما في التشريع من الحكمة والرحمة بالزوجين والأسرة والمجتمع قاطبة