خصائص المنهج الإسلامي المقاوم
أولا- عقيدة ثابتة
أكاد أسارع إلى الادعاء بأن قضية فلسطين لم تعش حالة من البؤس والضياع كتلك التي عاشتها خلال القرن المنصرم ؛ فقد منيت هذه القصية بعدة نكسات ونكبات ، شاب لها الصبي قبل شبابه وأذهلت المرضعات عن مراضعهن ، وأصبح الحليم فيها حيرانا والناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
وأخذت مراكز الأبحاث ومنابر السياسة والإعلام والأنظمة الرسمية والمنظمات الشعبية والحركات السياسية تبحث عن الأسباب وتشخص الداء وتتحدث عن الدواء ، والقضية تئن أنين المستغيث الذي لا ناصر له .
وإذا ما سألنا عن سر تلك الانتكاسات والهزائم، فإن إجابة واحدة تكشف لنا سر ذلك كله وتخرجنا من بحر الوهم وعالم الغم . إنها العقيدة التي تخلت عنها الجيوش والأنظمة ، فهانت على أعدائها وأصابها الوهن وتداعت عليا الأكلة من كل جانب.
ونستذكر هنا مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ،فأن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )
كلمات خالدة ، نطق بها هذا العملاق وحفظها لنا التاريخ ؛ لتبقى نبراسا ونورا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
ويؤكد هذا المعنى ويدل عليه قول الله سبحانه وتعالى (إن الدين عند الله الإسلام,ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بينهم ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب . فأن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أتوا الكتاب والأمين ءأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ).
وحديثنا عن الدين في هذا السياق ، يقودنا إلى الاستخلاص التالي : أننا عندما نتحدث عن الدين والعقيدة في سياق الصراع بين اليهودية والإسلام لا نعني ذلك أن الحرب القائمة حرب دينية بين التوراة والقرآن كما يتوهم البعض ، حاشا لله ،فهذا أبعد ما يكون عن فهمنا ؛لأن الدين كل لا يتجزأ ولأنه كله من عند الله كما بينت الآيات السابقة ،فإبراهيم وموسى وعيسى ويعقوب وكل الأنبياء جاءوا بالحنفية والإسلام يقول الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي )و يقول أيضا (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) .
ويحدثنا القرآن عن منهج إبراهيم عليه السلام في الدعوة ، وحثه لأبنائه على اتباع الإسلام والموت عليه وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن أمتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا إنك أنت التواب الرحيم) (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
وقد وقع أصحاب الاتجاه العلماني في وهم كبير ومغالطة عظيمة حينما ضربوا صفحا عن التوجيهات القرآنية وآثروا النزوع إلى المنهج الغربي في الدراسة والتحليل ظنا منهم بأن هذا المنهج (بنظرته العلمية ومنهجه الموضوعي سيعيد لهم حقهم المسلوب ويضمن لهم أمانة الطريق وواقعية الاستدلال، وهم لا يدرون أنهم بانتهاجهم هذا النهج قد وقعوا في أسر التصورات التلمودية والتبريرات الكنسية المزورة ؛ لأن الكتاب الغربيين حينما أرادوا أن يؤرخوا للماضي رجعوا إلى مصدر واحد فجعلوه حجة لهم ،هذا المصدر هو الكتاب المقدس أو ما يعرف بالكتاب القديم0
لذا ، فإذا كان الدرس التاريخي الغربي قد اعتمد على نص ديني طاله كثير من الزيف والتحريف؛ فأن موضوعية البحث تقتضي الرجوع إلى حقائق التنزيل لكي لا نقع تحت وهم أساطير الدعاية الإسرائيلية .
نحن بحاجة إلى عقيدة راسخة قوية سليمة ، ومنهج قرآني فريد للوقوف أمام هذا الطغيان الفكري الغربي المشوه للحقائق ، خصوصا بعد نجاح الصهيونية الخبيثة الحديثة في إحداث اختراقات عميقة في الفكر الأوروبي المسيحي ، ويبدو ذلك من خلال هذا الانسجام العجيب بين المسيحية الغربية والصهيونية الخبيثة ، ويبدو هذا واضحا كذلك من خلال توسع المعجم الدلالي المسيحي ، وكثرة المصطلحات الوافدة عليه من التفسيرات التلمودية للتاريخ والحياة وتراجع التعصب المسيحي لصالح الأمة اليهودية. فشعب الله المختار وشعب الرب الجديد والكهنوت الملوكي ومدينة الرب المقدسة مصطلحات رافدة على قواميس الفكر الأوروبي من إبداعات التضليل الصهيوني، بل إن جزءا كبيرا من تبريرات السلسة الأوروبيين للحملات الاستعمارية الموجهة صوب منطقة الشرق الوسط تعتمد على تلك القراءات الخاطئة لهذا الفكر الديني المشوه ، وإليك بعض تلك الأدلة المعينة على فهم ذلك: ففي عام 1965 يصدر الفاتيكان اعترافا مفاده (مع أن سلطات يهودية قد ساقت مع أنصارها المسيح إلى الموت مع العلم أن جميع اليهود الذين كانوا أحياء في عصر المسيح مدانون |إلا أننا لا نستطيع أن نحمل اليهود هذا العصر وزرهم .ولا يجب أن ننظر إلى اليهود على أنهم منبوذون من الرب ) ثم يتقدم الفكر المسيحي المهادن والمتواطئ إلى حد الاعتراف من قبل الفتكان بأن اليهود مبرؤون من دم المسيح عليه السلام ،لكي تبدو هذه المصالحة التاريخية العقائدية بين اليهودية والمسيحية شكل من أشكال التطور الاستعماري الذي شكل في نهايات القرن الماضي ما عاد يعرف الحرب العالمية ضد الإرهاب أو الوقوف جنبا إلى جنب ضد دعاة اللاسامية ، ويعنون بذلك المسلمين على وجه التحديد. وشبيه بهذا الاستدلال ما ورد على لسان ريغن إذ قال له الصحفي :لماذا تقف أمريكا من العرب هذا الموقف؟ ولماذا تؤيد إسرائيل هذا التأييد المطلق فأجاب إجابة سريعة ومختصرة :لا تنسى بأننا صليبيون .) ولعل هذا ما كرره بش الصغير في خطابه الشهير بعيد أحداث نيويورك وواشنطن حينما أشار إلى الحرب المقدسة والعادلة والصليبية ضد الأصولية والمتطرفة )وليس بعيدا عن هذا التصور يمكن لنا أن نفهم الدور السياسي الأوروبي المتواطئ مع السياسة الإسرائيلية منذ بلفور حتى مدريد واسلو وما بعدهما ، بل أزعم أن الفكر الكنسي الحديث قد انتقل نقلة نوعية في التواطؤ مع اليهودية من خلال نظرته إلى الكنيسة الشرقية وقد اتضح ذلك من خلال نظرته إلى حصار كنيسة المهد وهدم ثاني أقدس كنيسة في العالم ، وهي كنيسة بربرة في بلدة عابود بالضفة الغربية.
إذن نحن بحاجة إلى هذه العقيدة الراسخة لنرد على كافة الادعاءات والأباطيل الزائفة؛ فلإن كان هذا التاريخ قد بدأ مع إبراهيم عليه السلام الذي نزل ضيفا على اليبوسيين أصحاب الأرض الأصليين مهاجرا بأمر من الله إلى الأرض المقدسة فإن النص القرآني يرد على تلك المزاعم الإسرائيلية ، وتصبح عبارات الشعب المختار والأرض الموعودة مخلفات زائغة كتلك الملاحم الأسطورية القديمة التي لا يعترف بها الدرس التاريخي.فإبراهيم كما يحدثنا القرآن لم يذهب إلى فلسطين مستعمرا أو موعودا بل ذهب لاجئا طريدا وقد أحسن أهل فلسطين استقباله وضيافته، قال تعالى: ( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فبه للعالمين ) فالبركة ليست خاصة بقوم كما يدعي المبطلون والأرض في ظلال النص القرآني سواء أكانت الألف واللام فيها للعهد أم للجنس مرهونة بفكرة الاستخلاف الرباني وفي هذا يقول الق سبحانه : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ويقول أيضا ( وعد الله الذين أمنوا ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) ولكن بشرط ارتضاه لعباده ( يعبدونني ولا يشركون بي شيئا )